هذا المقال موجه لفخامة رئيس الجمهورية «عبدالفتاح السيسى».. بصفته مسئولاً عن تفعيل الدستور الذى ينص على حرية «الفكر والتعبير».. وهو الدستور نفسه الذى ينص على حرية ممارسة «الشعائر الدينية».. أكتبه وأنا أعلم تماماً أن الرئيس بذل جهداً خرافياً لإنصاف المسيحيين، وإعادة بناء ما تهدّم من كنائسهم، وأنه حتى لا يُحبّذ الحديث عن «فريقين» من الشعب يتم التمييز بينهما على أساس دينى.
وأعلم -أيضاً- أن الرئيس حاول بكل جهده تجديد «الخطاب الدينى»، وحثّ مؤسسة الأزهر أكثر من مرة على ذلك، ثم دعا المثقفين والقوى السياسية وجميع أطياف المجتمع إلى العمل على ذلك.. وأنه فى لجنة «العفو الرئاسى» عن المحبوسين بسبب «قضايا رأى» كان الباحث «إسلام بحيرى» واحداً ممن أفرج عنهم بقرار من تلك اللجنة.
لكننا -يا سيادة الرئيس- لا نزال نخضع لحملات الابتزاز والتشهير الممنهجة، وتطاردنا «كتائب الحسبة» بقانون «ازدراء الأديان»، ومعظمها بكل أسف تابع لمؤسسة «الأزهر الشريف» التى استقلت عن الدولة وأصبحت دولة مستقلة!.
وطبقاً لهذا المنظومة التى تبدأ بترهيب «الكاتب أو الباحث»، ثم التشهير به وتكفيره فى أنظار البسطاء، ثم جرّه أمام المحاكم، تم الحكم بالحبس على الزميل «أحمد الخطيب».. وقد كتب عدد من الكتاب مخاطباً شيخ الأزهر الدكتور «أحمد الطيب» للتنازل عن الحكم، لكنه لم يستجب، ربما من باب ردع المخالفين فى الرأى، ومصادرة «الحق فى الاجتهاد»!.
ولو أحصيتم عدد الدعاوى المرفوعة من الأزهر ورجاله على الكتاب، لوجدتم أن قانون «ازدراء الأديان» أصبح مصيدة للمفكرين والمجتهدين.. هذا بخلاف قضايا «السب والقذف» التى تعتمد على جمل مطاطية لا يمكن أن يفلت منها أحد.
نحن نحاول، بقدر عملنا وبحثنا ودراستنا، أن نواجه الفتوى المخزية التى يردّدها بعض علماء الأزهر: (منها اغتصاب الزوجة المسيحية، ووطء البهيمة، وجماع الوداع للزوجة المتوفاة، وأكل لحم الأسير.. إلخ).. نحاول قدر استطاعتنا الدفاع عن العلماء المستنيرين الذين يطردهم الأزهر من جنته لمجرد الخلاف فى الرأى: (على رأسهم «د. الهلالى»، و«د. كريمة»).. ولهذا أصبحنا هدفاً لسهامهم المسمومة، وأبواقهم الإعلامية!.
لقد كتبت من قبل أن الدكتور «محمد سعيد محفوظ» قال لى، فى حضور جمع، بينهم الكاتب «يوسف القعيد»، قال إن تبرعات الإمارات لمشيخة الأزهر مخصّصة للإعلام.. لكننا لا نملك صحفاً ولا فضائيات مثلهم.. لا نملك إلا «كلمة» فى مواجهة «مؤسسة» خلفها جيش من المنتفعين يتلاعبون بالدين نفسه وبالقانون، ويُسخّرون كل المجتمع لإخضاعه لأهواء سلفية - وهابية.. فكيف الحال وقد سقط الفكر الوهابى فى عاصمته نفسها؟!.
سيادة الرئيس: السعودية أسست «هيئة» للتدقيق فى استخدامات الأحاديث النبوية.. و(القضاء على أى نصوص تتعارَض مع تعاليم الإسلام، وتبرّر ارتكاب الجرائم والقتل وأعمال الإرهاب).. ولم تكتفِ بذلك، بل قامت وزارة التربية السعودية بسحب أكثر من 35 مليون كتاب، كان يتم تدريسها لتلغى ما فيها من فكر الإخوان المسلمين.. والمؤسف أنه عندما قام الحرس الملكى بتوقيف 12 ألف أستاذ هناك، كان البعض من أصل سورى وعراقى وتونسى كانوا يدرسون المبدأ الوهابى، أما الأغلبية من الأساتذة الذين تم اعتقالهم هناك فكانت من المصريين، وعددهم 35 ألفاً يدرسون الشريعة الإسلامية فى المدارس السعودية.. وهذا معناه أنه تم محو الإسلام الصحيح من عقول الأساتذة المصريين وحشوها بالفكر التكفيرى.. هؤلاء هم العلماء الذين أرسل الأزهر أغلبهم ليعودوا إلينا بالأفكار «الجهادية التكفيرية»!.
ولا أدرى لماذا يتمسّك بها علماء مصر، (التى كانت معتدلة ووسطية)، بينما يتبرأ الأمير «محمد بن سلمان» نفسه من «الوهابية».. لقد تغلغل الفكر الوهابى فى مختلف المؤسسات الرسمية الدينية.. وبناءً عليه تم إهدار دماء المسيحيين وتكفير الشيعة، واستحلال الأعراض والممتلكات.. ونشر الإرهاب باسم «الجهاد»!.
لقد خضنا مع «مصر» حربها ضد الإرهاب، ولا نزال نكافح «بشكل فردى» الأفكار المتطرفة التى تمهد الأرض للإرهاب.. دون أن يكلفنا أحد، لأننا ندرك أننا جنود للوطن بالقلم، وهو فى اعتقادنا أقوى من الرصاص.
لكن بكل أسف التنظيمات الفاشية التى تحاربنا وتحاصرنا أكثر ضراوة ووحشية، من تلك التنظيمات الإرهابية التى تبيدها قواتنا المسلحة فى «سيناء».. والتنظيمات التى نواجهها أخطر، لأن «الفكر لا يموت».. وهم ينشرون التعصّب ويشعلون نار الفتنة الطائفية بأوهام أوحت إليهم أنهم ورثوا «حكم مصر» من «الإخوان»!.
أنا لن أتحدث عن معاركى الشخصية، ولن أذكر اسم خصومى، لأن الأسماء تساوى «صفراً».. فتجربتى واحدة من عشرات المعارك الفكرية التى ندفع وحدنا ثمنها، ولا نجد أى دعم أو «غطاء قانونى» يحمينا كما نص الدستور. ولى العهد السعودى لم يقل فى تصريحاته المتعددة أنه يحارب «الفكر الوهابى» بل قال أنه يحارب «فكر الإخوان».. وهذا الفكر -يا فخامة الرئيس- هو الذى يهيمن على علماء يدعون «الوسطية» ويسيطرون على الإعلام والمنابر.
الحرب على الإرهاب تبدأ من هنا.. من تطهير مؤسسات الدولة من «الخلايا الإخوانية»، نائمة كانت أو نشطة، وأولها الأزهر.. تبدأ من تخلى «مشيخة الأزهر» عن تعنّتها فى الدفاع عن «كتب التراث».. من إلغاء قانون ازدراء الأديان.
أما نحن فسوف نمارس دورنا لآخر نَفَس فى صدورنا.. لأننا ندرك أن جنودنا البواسل يقدمون بدلاً من حبر أقلامنا «دماءً زكية».. ولأننا نؤمن بأننا نملك كلمة «الحق» فى مواجهة «الباطل».