دون أى مجاملة وبعيداً عن أى شبهة للنفاق فإن الدكتور شريف إسماعيل محمد إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، قد نجح -فى أقل من 3 سنوات منذ توليه المسئولية- فيما فشل فيه رؤساء وزراء عديدون على مدى 66 عاماً كاملة ومعهم رؤساء وأعضاء البرلمان، منذ أن كان اسمه «مجلس الأمة» ومروراً بـ«الشعب» إلى أن استرد اسمه السابق «مجلس النواب»!!
الدكتور شريف إسماعيل محمد إسماعيل وطبعاً بمساعدة الدكتور على عبدالعال سيد أحمد، رئيس «مجلس النواب»، استطاعا بقدرة قادر أن «يحلا اللغز» وأن يتعرفا على محدودى الدخل من المواطنين ويكتشفا مخبأهم بعد أن ظلوا «يحيرون الحكومات» المتعاقبة على مدى سنوات طوال من عام 1952!!
رئيس الوزراء اكتشف أن «محدودى الدخل» الذين يستحقون الدعم والمساندة والمساعدة هم «فريقه الوزارى»، وبالطبع هو أحدهم وبالمرة رئيس مجلس النواب، وهو ما أكسبه تعاطف «الدكتور على عبدالعال سيد أحمد»، الذى وافق على الفور ومعه «نواب مجلسه» على قانون برفع مرتبات نائب رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء ونوابه، والوزراء، والمحافظين، بما يسمح بأن يتقاضى كل منهم شهرياً وبحسب الأحوال، مكافأة أو مرتباً يُعادل صافيه الحد الأقصى للأجور «أى 42 ألف جنيه» بالتمام والكمال، إلى جانب أنه حدد معاش الوزير، بمبلغ 33 ألف جنيه شهرياً على الرغم من أن استحقاق الوزير للمعاش لا يرتبط بمدة محددة لسنوات عمله!!.
ولأن حكومتنا ومجلس النواب «الموقر» يؤمنان تماماً بقانون «الصدفة» -الذى جرى «هرسه» فى روائع حسن الإمام السينمائية- فإن قرار البرلمان برفع رواتب ومعاشات الوزراء تصادف أن جاء بعد أسبوع واحد فقط من «مأساة» نسجتها وزيرة التضامن «الدكتور غادة فتحى إسماعيل والى»، إذ قررت الطعن على حكم القضاء الإدارى بإنصاف ملايين المصريين الفقراء «نحو 10 ملايين مواطن من أصحاب المعاشات» بإعادة أموالهم التى انتزعتها الحكومة من أيديهم مرة أخرى باستحقاقهم 80% من آخر 5 علاوات.. غير أنه على الرغم من تفاهة هذا المبلغ وبساطته فإن «الدكتورة» استكثرته على الفقراء، فأقامت طعناً على حكم المحكمة مطالبة بإلغائه، وهو ما يكشف عن انعدام كامل للإحساس بالمسئولية، وغياب أى رؤية سياسية..!
فى محاولته لتبرير هذه «المهزلة» قال المستشار عمر مروان، وزير شئون مجلس النواب، إن رفع مرتبات السادة الوزراء الأفاضل لا يتضمن أى أعباء مالية جديدة، وإنما يُعتبر تقنيناً لمرتباتهم الموجودة بالفعل.. ولم يكتف المستشار عمران بذلك إذ زادنا من الشعر بيتاً وأضاف: «أن القانون يحظر على الوزير العمل لدى أى جهة أخرى، أو إنشاء عمل خاص به، طوال مدة عمله بالوزارة».. ولكنه بالطبع لم يذكر أى شىء عن ما بعد خروج الوزير إلى التقاعد!! معنى تبرير «المستشار مروان لهذه المهزلة» أنه إذا افترضنا أن خريجين من كلية جامعية واحدة قد حصلا على درجة الدكتوراه فى نفس العام وبنفس التقدير وجرى تعيين أحدهما وزيراً لمدة «أسبوع واحد فقط» بينما عمل الثانى فى مؤسسة حكومية لمدة 36 عاماً كاملة فإن «المحظوظ الأول» سيتقاضى 33 ألف جنيه معاشاً شهرياً، بينما لن يزيد ما يتقاضاه «المتعوس الثانى» على 1250 جنيهاً معاشاً، إلى جانب فارق المرتب بينهما، الذى يماثل الفارق بين «ناطحة السحاب وكشك سجائر فى الدويقة»، بالإضافة طبعاً إلى أن فرصة «سيادة الوزير السابق» فى التعيين رئيساً لمجلس إدارة إحدى الشركات العامة «مضمونة تماماً» بينما مصير الثانى سيقتصر على «تنظيم حركة المرور على كوبرى أكتوبر» من كثرة ما سيعانيه فى حياته بعد الخروج على المعاش.!!
جانب آخر من هذه المأساة يتعلق بتلك المكافأة أو الراتب الذى سيتقاضاه الوزير، والذى لن يقل صافيه عن الحد الأقصى للأجور «42 ألف جنيه شهرياً»، بمعنى أن الوزير لن يتحمل أى ضرائب عن دخله الشهرى، وأن «محمد أفندى» أو أى موظف آخر هو من سيسدد لسيادة الوزير ضرائبه..!
وبعيداً عن حالة الإحباط التى سادت أصحاب المعاشات «البؤساء» الذين لا حول لهم أو سند، بعد أن تحولوا إلى شريحة يجرى تهميشها دوماً، على الرغم من أنهم قد سددوا «الفاتورة» كاملة ومع ذلك يتعرضون لسياسات منهجية من «تجويع» وتعجيز عن شراء الدواء.. ومنذ تلك اللحظة التى فوجئوا فيها بإسقاطهم من حسابات الدولة وهم يعانون، وربما تكون كل جريمتهم أنهم خضعوا قسراً لقوانين استقطعت من مرتباتهم أقساطاً طوال 36 عاماً على الأقل من الخدمة والعمل بزعم إعادتها لهم عند التقاعد، الذى يمثل لهم أشد الأوقات احتياجاً لها.. غير أنهم لم يستردوا منها أى شىء!!
هى مجرد «زفرة ضيق».. نظرة إلى السماء.. تمتمة بـ«دعاء على.. » هو كل ما يملك فعله أصحاب المعاشات، فلا يكفى ما يتعرضون له من متاعب.. فالمعاناة تنهكهم.. ويخنقهم الزحام وضيق التنفس.. والقلب يتمرد ويتوقف احتجاجاً على ما يعانونه، فيترك بعضهم كل شىء ويرحل عن الحياة ليبحث بعدها ورثتهم فى جيوبهم عن قروش لشراء «بن العزاء».. وبعدها تبخل الحكومة عليهم ببضعة جنيهات هى فى الأصل من أموالهم.. ولم لا؟! فقد أصبحوا بالفعل «خيل الحكومة» التى تستحق «رصاصة الرحمة»..!
وأخيراً بقيت كلمة حق يجب أن تقال: فإذا كان البعض -لقصر النظر- يعتبر أن رفع رواتب الوزراء ومعاشاتهم ورفض زيادة «معاشات الغلابة» هو الظلم بعينه إلا أنه فى حقيقته لصالح «أصحاب المعاشات» أنفسهم، باعتبار أن الحكومة حريصة دائماً على أموالهم وعلى رعايتهم والحفاظ على سلوكهم بدلاً من أن ينفق البعض منهم هذه الأموال على المقاهى أو فى البارات على «زيزيت الرقاصة»، بسبب حالة الفراغ التى يعانون منها باعتبار «أن كثرة المال مفسدة» لكل «مراهق متهور»..!