عندما نسمع لفظة "عنصرية" دائمًا ما نربطها بتعامل أصحاب البشرة البيضاء مع أصحاب البشرة السمراء، وتقفز إلى أذهاننا فورًا التفرقة العنصرية في جنوب إفريقيا ومسلسل "الجذور" وما تكبدته الشعوب الإفريقية من عذاب ومعاملة غير إنسانية وصلت إلى تعرضهم للعبودية والسخرة والعرض في السيرك كالحيوانات بل والصيد أيضًا.
حسنًا هذه هي العنصرية في أقبح صورها والتي لازالت بقاياها موجودة وحاضرة. والتي مارستها الشعوب الأوروبية ليس فقط ضد أصحاب البشرة السمراء ولكن ضد كل ماهو مختلف؛ الأسيويين، سكان أمريكا الأصليين، الغجر، العرب.....
ولكن ماذا عنا نحن؟
كما قال لي صديق كان يعيش في أوروبا (لن أقول لك أنه لم يعد هناك عنصرية،هي موجودة بالفعل ولكنها لا تقارن إطلاقًا بعنصريتنا نحن، لأن الشخص العنصري هناك لا يجرؤ على إظهار ذلك خوفًا من القانون. أما نحن ....).
أجل لا تندهش، نحن عنصريون أكثر منهم.
وتاريخنا مليء بالعنصرية والتعصب.
كل من يملك المال والسلطة يفرض عنصريته على الآخرين، هناك دائمًا شعور لدينا كعرب أننا أفضل من الشعوب الأخرى ،هناك عنصرية في تعامل مواطني دول الخليج مع الأجانب المقيمين في الخليج، هذا بخلاف العنصرية بين قبائل وطوائف وطبقات المجتمع الخليجي ذاته.
ثم هناك عنصرية العرب تجاه أهل جنوب شرق آسيا، الذين بدورهم يمارسون العنصرية تجاه بعضهم البعض.
دعونا من ذلك، المهم هل لدينا عنصرية في مصر؟
ماذا عن نظرتنا للمصريين ذوي البشرة السمراء؟هل تعتبر هذه عنصرية؟ ماذا عن تعامل أهل الوجه البحري مع أهل الصعيد؟ ماذا عن النوبيين وأهل سيناء؟
هناك دائمًا رائحة عنصرية في نظرة أهل القاهرة لسكان الأقاليم، ناهيك عن العنصرية بين أحياء القاهرة ذاتها. ثم سكان المدن مع سكان القرى، وسكان القرى بدورهم مع سكان العزب والكفور.
ماذا عن المسيحيين؟
ولا ننسى طبعًا العنصرية الطبقية المبنية على الفوارق الإجتماعية.
و هناك أنواع خاصة من العنصرية نمارسها دون أن ندري، مثال على ذلك أثناء الاختبار النهائي للماجستير بكلية الطب دخلت اختبار شفوي مع أحد نواب الجامعة - أي معيد بالقسم- بينما كنت أنا أعمل بوزارة الصحة، بعدما خرجنا من الاختبار سمعته يقول لزملائه "تخيلوا، لم أستطع الإجابة على ذاك السؤال بينما أجاب عليه "الواد بتاع الصحة")
هذا بالإضافة إلى العنصرية الوظيفية؛ نظرة من يعمل بوظيفة مرموقة إلى من يعمل بوظيفة أقل وتدريجيًا حتى نصل إلى نظرة التاجر للموظف ونظرة العامل الصنايعي للفلاح.
قبل أن أنهي أتذكر هنا موقف حدث لي مع أحد أصدقائي المعروفين بحسن الخلق والإهتمام بالأعمال الخيرية بالإضافة لتدينه ومواظبته على حفظ القرآن وحضور حلقات العلم. كنا نتحدث عن تردي وضع التعليم في مصر وحالة التخبط التي يعانيها الناس بين المدارس الحكومية والخاصة واللغات والعالمية التي بدورها تختلف حسب المناهج التي تدرسها، كنت أسأله عن رأيه فأخذ يشرح لي الفوارق ثم قال الجملة التي قصمت ظهري (المدارس الحكومية أصبحت فقط من أجل أبناء البوابين والشغالات).
أيها السادة نحن نمارس العنصرية بأقبح صورها دون أن ندري.