محمد حسن العجل يكتب: قنا والقنائيون
محمد حسن العجل
إنها «قنى» المحتضنة لنهر النيل.. فهل احتضنته طواعية أم قسراً؟!.. قنا تلك المحافظة التى وقعت أسيرة الجنوب منذ آلاف السنين. تحتضنها جبال المشرق والمغرب، لتجعل أهلها فى حصار طويل، بين قيظ الصيف وبرد الشتاء، لقد بحث أهلها عن هوية يتكئون عليها، فكان التاريخ ذاته هو الملجأ والمتكأ.. لم يجد أهل قنا بداً مما ليس منه بد، سوى الالتحاف بأصولهم، وقبائلهم، ينسجون منها حكايات العزة، والكبرياء، والتفاخر. تمسكاً بالجذور، وسعياً للتمرد، فى محاولة للغلبة على أحاسيس القنوط، والانكسار، والفقر، والفراغ.
قرروا، على مدى سنوات طوال، أن يُغرقوا أنفسهم فى البحث عن البدايات، للتغنّى بالفتوة، والسموّ، والرفعة.. بل وخلق الصراعات الزائفة، لتحقيق انتصارات وهمية. وحتى تأخذ الحياة مسار الحيوية والتفاعل لجأ الساسة إلى خلق الصراعات القبلية لتكريس الواقع المعيش، وتزامن معها التأصيل لها اجتماعياً واقتصادياً، والتنافس فى التقرب من صانع القرار للوصول إلى الغلبة والتربع على عرش القبلية. ولجأت فئة من الشباب الناقم على أوضاعه السياسية تارة والاجتماعية تارة أخرى إلى الارتكان إلى الجماعات الدينية المتطرفة فى أشكالها المختلفة، كانت البدايات فى محافظة أسيوط، ثم انتقلت منها إلى محافظات أخرى مثل المنيا وقنا فى الثمانينات من القرن الفائت ووصولاً إلى الشكل الداعشى الحالى.
القنائيون، رغم ظروفهم ومعاناتهم، لم يستسلموا.. من رحم المعاناة خرج أبناء قنا يتمردون على واقعهم، فنجح عدد كبير منهم فى التغلب على العزلة التى كان الفقر أحد أركانها. قديماً كانت الأقصر بمعابدها وزوارها هى الشاهد على تدفق الحياة إلى محافظة قنا، وكانت مدينة قنا لا تختلف عن مراكزها وقراها، من حيث البعد عن المدنية والترف، والحياة المتقشفة، إلا مَن فرّ إلى الشمال حيث العاصمة الأولى -القاهرة- أو العاصمة الثانية -الإسكندرية- أو ممن هاجروا ونزحوا إلى دول الخليج، هرباً من الفقر.
كان الارتحال للرجال غالباً، تاركين وراءهم أسرهم، حيث تحملت المرأة الأم المسئولية لسنوات طويلة، فى انتظار الرجل الذى طال بقاؤه بحثاً عن لقمة العيش الصعبة فى البلاد البعيدة. وبحثُ القنائى الصعيدى الجنوبى عن الخلاص كان فكرة تصاحبه فى المراحل الزمنية المختلفة طامحاً فى الخروج من نفق الجغرافيا وهامش التاريخ، منقباً عن حريته تارة، وهارباً من الفقر والعوز تارة أخرى، محاولاً الخروج من الجبال الجاثمة على آماله، ومنفلتاً من عيدان القصب الحاجبة -دوماً- لرؤيته والتى حجبت عن عينيه دوماً معالم المدنية والتحضر وحرمته من رفاهية العيش.
وكان المبدعون من أبناء الصعيد، وقنا خاصة، أكثر صدقاً من السياسيين، فى رصد معاناة أهلهم، والتعبير عن قضاياهم، قبضوا على الجمر، وباحوا بالوجع، حيث تفرّغ السياسيون، من خلال أعضاء المجالس النيابية، للتكريس للصراع القبلى للحفاظ على مكتسباتهم الشخصية والقبلية، متناسين احتياجات دوائرهم وقراهم، وائتنست القيادات التنفيذية المركزية منها، والمحلية إلى هذا التوجه، مما أطال أمد المعاناة.
ومع الظروف الصعبة والمؤلمة، تحدى القنائى بصبره وجسارته الزمان والمكان، فمنذ عام 2000 بدأ التطوير والتحديث مع تولى قيادة محلية نشيطة مثل عادل لبيب حتى أصبحت قنا نموذجاً للتميز. وخلال العشر سنوات الماضية كان لجامعة جنوب الوادى دور هام فى زيادة الوعى والتخفيف على الأسر مشاقّ التعلم بالتوسع فى الكليات، وانعكس هذا فى ملمح هام، وهو زيادة نسبة التعليم للمرأة القنائية، بل وتولى منهن القيادة كقاضية ومديرة ورئيسة لوحدة محلية وعمدة أيضاً.
النائب الأول لحزب الوفد بقنا