محمد أبوقمر يكتب: دمياط عبقرية المكان والشعب
محمد أبوقمر
دمياط كمدينة وإقليم تضاءلت مساحته كثيراً بعدما تضاءلت أهميته، من أولى وأهم المدن الحضرية فى مصر، حيث كان بها أول ميناء فى مصر، وأخطر مدخل للديار المصرية فى مختلف العصور، وجسر بين الشرق، والغرب، وآخر موانئ الشام، فكان أقرب لها من سائر الموانئ المصرية، كما كان لغنى أرضه، وطيب جوه، ونشاط أهله مزايا كثر، فكان الوحيد بين الموانئ الذى عمل أهله بكل الحرف، والصناعات، وحتى الزراعة، ولم يركنوا فقط للتجارة، والصيد، أو حتى ينكفئوا على تصنيع المراكب، وركوب البحر، وكان حسبهم، فزاد ثراؤه، والحاسدون على أهله، وصار مطمعاً للغزاة الوافدين من كل صوب، فكان إقليم شمال شرق الدلتا أول ما يسعى لإخضاعه من الديار المصرية، فإن تم للغازى ذلك، صارت باقى الأقاليم المصرية بساطاً ممهداً، وممتداً لتطأه أقدامهم، فكان حتماً ولزاماً تسوير المدينة، وتحصينها، ووجود حامية دائمة قوامها رجال أشداء، يجمعون بين معايشهم، والدفاع عنها كى يواجهوا أطماع الغزاة الطامعين، التى لا تنتهى للسيطرة على بلادنا، وإخضاع شعبنا، والتنعم بثرواته، وخيراته، التى لا تعد بكثرتها، بقدر تنوعها المذهل، فجعلت قاطنيه مغنيين عن من دونهم، فاستغلوا موقعها، ومواردها الطبيعية وبرعوا فى كل شىء، وسادوا على باقى الشعـوب بكدهم، ومهاراتهم، وفطن كثير من ولاة مصر فى كافة العصور لأهمية هذا الإقليم، ومهارة شعبه، كأحد أقاليم القطر المصرى، بل أخطرها، فحرصوا على تحصينه بالأسوار، والأبراج، وتزويده بما يلزم لذلك، وتطهير المصارف، وتأمين انسياب النهر، وصيانة رصيف الميناء، وتنظيم العمل به، واختيار حاميته بعناية فيكون خير داعم لكيان الدولة المصرية، لدعم الإقليم وأهله، فكم ساهم فى مواجهة حدة المجاعة، ونقص الأرزاق، وانتشار الأوبئة فى شتى الأقاليم المصرية، فرواج أعمال أهله استقرار وثبات لكل الأقاليم، والتقصير فى تأمين ذلك لأهله، يعنى عصر اضمحلال.
المدينة مرت على كل العصور، وظلت مزدهرة، ومتلألئة دائماً، عامرة بالخير، والعمل، باستثناء فترات اجتياح الغزاة لها، وعصر تقبيرها أثناء الاحتلال العثمانى، وإدارة الحكم العلوى الملكى البلاد، وللأسف هذه الأيام نرى إنكار أى أهمية تاريخية، وثقافية لها، تمحى أى مناطق تاريخية بها، تخرب بها المكتبات، تفرق آثارها هنا وهناك، ويجهل أهلها شأنها، لا يوجد بها متحف تاريخى، ولا تعرف الثقافة المتحفية:
وأخيراً.. مدينتى كل هم أهلها الآن أن يتركوا يعملون فى سلام، بلا فساد، بلا تدخل مسئولين، بلا نزوح كل أبناء المحافظات المحيطة ليزاحموا أهلها فى مساكنهم المحدودة، وطعامهم، وكل خدماتهم.