المحتوى الدرامى
المحتوى الدرامى يختلف باختلاف أطياف ومدارس المسلسلات، فمنه البوليسى والأكشن، وبعضه رومانسى هادئ، والآخر شعبى أو ملحمى، وهنا يكون اللعب على أمزجة المشاهدين المتباينة، بل إن بعض القائمين على الصناعة يسهم فى تشكيل هذه المزاجات وتغييرها، وهنا أجد رسالة الدراما تعظّم وتصبح أكثر أهمية، إذ إنه لا يكفى أن تنتج أو تكتب ما يرضى الجمهور فقط! بل عليك كصانع عمل أن تسهم فى تطور ورفع ذوق المشاهد وأن تسمو بسلوكه ومشاهداته وتوجيهها نحو فكرة أو مضمون هادف، مستغلاً فى هذا جميع عناصر العمل الفنى.
عندى هاجس أراه مقدساً وحتمياً، وهو أن ترسى الدراما أسساً ومبادئ وقيماً، وأن تنشئ مجتمعاً وتهذب تصرفاته وتسمو به إلى حيث ينبغى أن يكون، وأن ترقى بإنسانيته التى باتت مهددة بالانقراض إزاء أنواء وصعاب الحياة.
الدراما أساسها ذاك الفن الذى ارتبط بالمحاكاة للحياة الحقيقية وفكرة القدر والمصير والحياة والبشر وتفاصيل المعارك البشرية فى هذا العالم. فن مرتبط بعلم الإنسان (بالفلسفة والمعتقدات والقناعات والقيم والأخلاق)، ذاك هو الإطار الحقيقى والأصلى والذى يجب ألا تحيد عنه الدراما وصنّاعها، أما كونها للتسلية فهو شىء لطيف لكنه لا يرقى لمراتب الإجادة والإفادة بجانب الإمتاع والتسرية والترفيه.
أحياناً يترجم العمل الدرامى واقع الحياة وأحداثها ويحاكى الشارع المحلى والعربى ولكن يجب ألا نغفل ضرورة طرح ومناقشة القضايا الحساسة والدقيقة (العامة والخاصة) وإلقاء الضوء عليها وعلى طريقة حلها أو مناقشة الخروج من المآزق المختلفة (على الأقل إرشاداً لهذه الجماهير العريضة الرابضة خلف الشاشات الفضية بالأمسيات الرمضانية حيث الموسم الدرامى الأكبر).
ملايين المشاهدات والكثير من المسلسلات على مدار الأعوام قديماً وحديثاً، محلياً وإقليمياً، لكن كم منها بقى وعلق بالذاكرة واختلط بالوجدان ولامس شغاف القلب ونقشت أحداثه وشخصياته بالذهن لتبقى به دوماً!!
كم من ممثل ومخرج ومنتج ومؤلف استطاع ترك صفة تميزه عن غيره!! (لا يشترط أن يكون النجم الأول أو الأوحد لكن يكفى أن تلتفت إليه وإلى أدائه وصنعته) يستطيع القائمون على هذه الصناعة بعمل بسيط صغير ترك بصمة لا تستطيعها أكثر الأعمال الفنية إنفاقاً وضجة.
المادة والمحتوى والقيمة أشياء تفرض نفسها على الجميع وتعلو فوق أقرانها لمراتب الصفوة والعلامات الفارقة، ولهذا يجب أن يعمل القائمون على هذه الصناعة، أما جملة (الجمهور عاوز كدا!!) استسهالًا وخذلاناً، فهى أبداً غير منطقية أو بنّاءة أو مثمرة بل هى فقر إبداعى وخذلان جماهيرى. الجمهور دائماً يجذب للقيمة والإجادة والإتقان والإمتاع فيا حبذا لو كان الإمتاع هادفاً واعياً ثرياً.