الأهم من وحيد حامد، ومن شريف أبوالنجا هو الوصول إلى «الحقيقة».. نعم الحقيقة التى يسعى وحيد حامد لاستجلائها، هى أولاً حق أصيل «للمواطن» فى الشفافية التى نسبح بحمدها ليل نهار، ونعانى من ندرتها أو افتقادها فى معظم الأحوال، أنا لا أفهم بعض ردود الأفعال التى خرجت تسب وتلعن فى «كاتب» لم يفعل غير التوقف عند أمرين لا بد أن يتلقى المجتمع إجابات شافية عنهما.. أولاً الخلل الجسيم فى الهيكل الاقتصادى لمستشفى قام ويقوم على التبرعات الأهلية.. مستشفى حجم التبرعات الواردة إليه، مليار جنيه، ينفق على العلاج، أى الغرض الأول من وجوده، ١٦٠ مليون جنيه، يعنى ١٦ بالمائة، بينما ينفق على الإعلانات مبلغاً يقترب مما ينفقه على العلاج، ١٣٠ مليوناً، ويدفع مرتبات عاملين بمبلغ يكاد يصل إلى ضعف ما ينفقه على العلاج، نحو ٢٨٠ مليون جنيه حتى العام الماضى، ومن المنتظر أن يصل الرقم إلى ٤٠٠ مليون فى ميزانية هذا العام.. ثانياً أرقام المرتبات المذهلة تذهب إلى ما يشبه الشبكة العائلية لللسيد المسئول البارز عن المستشفى الذى يجمع خمسة أو ستة مناصب فى المستشفى، وكذلك زوج أخته وابن أخته وابن عمته وابن خاله ومرات ابن أخته! ألا يستلفت أمر كهذا الانتباه؟ ثم ماذا فعل وحيد حامد؟ طرح أرقاماً لا يمكن ألا تكون تعبيراً عن خلل اقتصادى حقيقى، ولا بد أن تفجر تساؤلات، وبالذات فى إطار شبكة شبه عائلية، تمسك بمفاصل هذا المستشفى. كاتب كوحيد حامد ليس «ابن النهارده»، ولا وليد ظاهرة «كتاب الأنابيب»، ولا واحداً من الذين ينفثون أو يبخّون أى كلام على الفيس بوك، ، هو كاتب وراءه «تاريخ» ربما يصل إلى نصف قرن، كان الهم العام ومصير الوطن هو محوره الشاغل.. وحيد حامد دفع مقدماً، وكله موثق، ما يكفل له ليس فقط المصداقية على الأقل، ولكن أن تأخذ الأمر بجدية وأن تحترمه حتى لو اختلفت معه.. وحيد حامد، لا سعى يوماً إلى منصب ولا انحنى لأمير.. وحيد حامد كاتب هو جزء من باقة من الكُتاب، يشكلون ضميراً للوطن، ولست بحاجة لاسترجاع مواقفه ولا كيف واجه الإرهاب وصدره مفتوح، وفى وقت مبكر، «حامد» الذى أجاد قراءة أحوال الوطن، والذى لو لم يكتب غير «طيور الظلام»، عمله العظيم، الذى استقرأ فيه محنتنا فى الاختيار ما بين فاسدين، لكفاه، كان حين طرح ما رآه خللاً واختلالاً أو اعوجاجاً وانحرافاً، كان يمثل رقابة مجتمعية لأزمة، لا يكون الرد عليها ببلاغات السب والقذف وممارسة الترهيب ممن يدعون الطهر ويعلنون الحرب على الفساد فى الورق، فإذا ما تحول كاتب طرح مجرد سؤال، قالوا «دى قلة أدب»، واعتبروا ما كتبه حامد «مساً» بتابوه جديد يضاف إلى رقم لا ينتهى من التابوهات فى حياتنا.. نفس هؤلاء الذين تحولوا إلى متاريس دفاعية عن الدكتور أبوالنجا المسئول الأول والثانى وحتى العاشر عن مستشفى ٥٧٣٥٧، صفقوا لمّا رئيس الجمهورية قال لا أحد فوق المساءلة.. ووحيد حامد لم يفعل غير ما طالب به السيد رئيس الجمهورية.. دعا لفعل المحاسبة.. طالب بالتحقق من أرقام وأوجه إنفاق ورقابة.ما هو وجه «القداسة» الذى يحول بين المسئولين عن ٥٧٣٥٧، وبين أن يقيموا مؤتمراً صحفياً محترماً، يردّون من خلاله بالأرقام وبمنتهى الشفافية ويفنّدون ما كتبه وحيد حامد، بدلاً من بلاغات السب والقذف، وتلك الحيل التى باتت مطرقة تستخدم للطمس أو التغطية أو أو..المسألة ليست مباراة وانحيازات، لكنها أخطر بكثير.. هل نحن صادقون فى السعى نحو شفافية تحكمنا أياً من كنا؟ متى نكف عن مراكمة «تابوهات» فوق المساءلة، ثم «نتشحتف»، ونحن نطالب بالمحاسبة؟ أنا المواطن: حقى أن أعرف وأرى وأستجلى الحقائق،أنا المواطن، أنا من يدفع التكلفة وفى مقابل ذلك، فإن من حقى استجلاء أى أمر.هذا ما علينا أن نغرسه فى الناس، ولا يهم المواطن ولا يعنيه غير استجلاء الحقائق، وهذا حقه الذى ينبغى أن يعلو ويتقدم وأن يقر به الجميع.الانحياز الوحيد المقبول هو الانحياز للحقيقة التى لا يمكن الوصول إليها. وكل يوم نضيف تابوهاً إلى تابوهاتنا التى لا يبدو لها آخر.