«برقاش».. عرفها «عبدالناصر والسادات وعرفات وجيفارا وسارتر وخاتمى».. هنا ذاكرة «الأستاذ»
محمد حسنين هيكل
برقاش قرية هادئة تقع فى نطاق مركز إمبابة، لها شهرة كبيرة لوجود أكبر سوق للجمال فيها، ولكن ما لا يعرفه الكثيرون عنها أنها كانت المكان الأقرب إلى قلب الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، ويوجد بها فيلته ومكتبته التى تضم أعداداً هائلة من الوثائق التاريخية النادرة.
فى يوم الخميس 15 أغسطس 2013 استيقظ الجميع على خبر صادم جداً تم بثه على الشاشات فى شريط العاجل وعلى المواقع الإلكترونية، بعنوان «الإخوان أحرقت فيلا ومكتبة هيكل ببرقاش والنيابة تتولى التحقيقات»، وذلك خلال مرحلة الجنون الإخوانى الذى صاحب فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة بعد عزل محمد مرسى، أهالى «برقاش» كانوا شهود عيان على جريمة الإخوان باشتعال النيران فى مكتبة هيكل الخاصة، ما أدى إلى حرق نحو ١٤ ألف وثيقة.
الوصول إلى فيلا محمد حسنين هيكل فى قرية برقاش يستغرق نحو ساعتين من وسط القاهرة، القرية بطبيعتها هادئة، وربما للوهلة الأولى يعتقد الزائر أنها خالية من السكان، إلا من بعض الأطفال تلهو بجوار حديقة فيلا هيكل، ناحية المقابر، دون أن يعرف أحد منهم تاريخ هذه الفيلا التى دخلها جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر، وسارت فيها أم كلثوم، وزارها عبدالحليم حافظ، الشىء اللافت للنظر أنه لا توجد إشارة واحدة ترشد الزائر إلى وجود فيلا هيكل فى المنطقة.
«برقاش» لم تأخذ شهرة محلية فقط بل امتدت شهرتها للعالمية، بسبب وجود واحدة من أهم مكتبات هيكل بها، فهو لم يكن مجرد كاتب صحفى عادى، بل كان حارس أسرار مصر الحديثة، احتراق الفيلا أدى إلى احتراق آلاف الكتب والوثائق المهمة، لكن الأهالى ردوا على اتهامهم بإشعال الحريق بالقول: «مستحيل نكون إحنا اللى حرقنا الفيلا، اللى حصل وقتها إن كان فيه مجموعة شباب ملثمين، رموا حاجات صغيرة، شبيهة بكورة البينج بونج، فحرقت المكتبة بكل اللى فيها، من صور وذكريات، جمعها هيكل طول حياته وحطها فى مكتبته بقريتنا».
الفيلا عبارة عن مساحة شاسعة محاطة بسور مرتفع، وأشجار كثيفة، ولها بوابتان، واحدة منهما دائماً مغلقة، حسب الأهالى، والأخرى هى التى تفتح أبوابها، طرقنا الباب فخرج حارس، رفض ذكر اسمه، ومعه كلب بوليسى يبدو أنه شرس ومتدرب على مهاجمة الغرباء، وبادرنا قائلاً: «البيت اتحرق مبقاش منه حاجة وممنوع حد يدخل».
«أنا كنت بجيبله حجارة من الواحات وقعدت معاه أكتر من خمس مرات وكان بيجيبلى الأكل بنفسه ويقعد لما أخلص أكل»، هكذا تحدث رجب عبداللطيف، ٤٢ سنة، السائق الذى كان ينقل بعض الأحجار للفيلا لتجهيزها، مؤكداً أن تواضع هيكل جعله محبوباً من كل من حوله، مشيراً إلى أنه شاهد بعينيه شخصيات مهمة تدخل الفيلا، وسط تعزيزات أمنية مشددة، ومع ذلك لم يكن «هيكل» من محبى الاختلاط وكان دائم الجلوس داخل مكتبه.