الهرية هذه الأيام تصول وتجول حول الفنان محمد رمضان وسيارته الـ«لامبورجينى» فى مواجهة «المكنة الصينى» أو جموع الحاقدين.
والحاقدون -وفى أقوال أخرى الغاضبون- الرافضون للمنظومة الثقافية والفنية والاجتماعية والشعبية التى يبلورها «رمضان» يعانون الأمرَّين، وأنا منهم. فكل ما يملكونه هو سلاح الشجب والتنديد الذى لا يخلو من إبداء القلق والتعبير عن الغضب من «الفرتكة» التى يفرتكها «رمضان» لما تبقى من محتوى فى داخل ملايين الأدمغة المصرية الشابة فى قاعدة الهرم الاجتماعى، وما أدراك ما قاعدة الهرم!
قاعدة الهرم تحوى ثلث المصريين (تحديداً 27.8 فى المائة من السكان يعيشون تحت خط الفقر)! وثلاثة بين كل عشرة أطفال فى مصر يعانون الفقر متعدد الأبعاد. هؤلاء ومن يقبعون حول خط الفقر المادى والثقافى يجدون فى محمد رمضان قدوة ومتنفساً ومثالاً أعلى.
يقولون عنه «جدع» و«راجل» و«بيتكلم زينا». يعتبرونه أيقونة. وهو أيقونتهم لأنه يشبههم ولا يتحدث بكلمات أو عبارات سخيفة لا يفهمونها، ولا يكتب مقالات تستغرق منه ساعات ليقرأها العشرات الذين هم فى الأغلب أقران الصفحة أو زملاء المهنة.
بمعنى آخر، ما الذى قدمه القابعون على طرف النقيض من محمد رمضان لهذه الفئات الاجتماعية والعمرية؟
بمعنى ثالث، هل فكر أحد فى الفراغ الثقافى والترفيهى والمعنوى الكبير المتروك لكل من هبَّ ودبَّ ليملأه بمعرفته، سواء بتجارة الدين أو بفكر السلفيين أو بأسطورة كأسطورة محمد رمضان؟ جاء رمضان وملأه بلحية مرسومة بالحناء، وسكاكين ومطاوٍ فى الخناقات، وبلطجة وخروج على القانون مزينة فى أبهى حلة وأجمل صورة، و«نمبر وان»!
وكلمات «نمبر وان» تستدعى وقفة ونظرة:
أنا فى الساحة واقف لوحدى وانت وأصحابك ليّا باصّين
أنا جمهورى واقف فى ضهرى سوبر وأنا وانتو عارفين
ألا تلخص هذه الكلمات الموقف؟ ألا تفسر المقصود بالفراغ المتروك الذى طرق بابه رمضان فانفتح ودخل وخلفه الملايين من عشاقه؟! المئات من الصبية من سائقى الـ«توك توك» لم يجدوا غير «الأسطورة» ملصقاً يثبتونه على خلفيات مركباتهم غير المرخصة. ومثلهم ملايين فى مناطق شعبية وعشوائية وريفية لن يقفوا مكتوفى الأيدى أمام هذا الفراغ الشاسع والهوة السحيقة التى ينظر إليها المثقفون باستعلاء وتتجاهل الدولة وجودها من الأصل.
أصل الحكاية مساحة متاحة كتلك التى تسلل منها جماعات الاتجار بالدين من إخوان وسلفيين. مساحة شبيهة متروكة أيضاً للمثقفين يدورون حولها فى دوائر التنظير المفرغة، وتجد الدولة نفسها فى غنى عن التطرق إليها فى هذه الأوقات الصعبة اقتصادياً وسياسياً. فلماذا إذن لا يتسلل إليها محمد رمضان، ومن قبله محمد سعد أو اللمبى (الذى ساهم بقدر غير قليل فى إفساد مخارج ألفاظ جيل بأكمله) وغيرهما؟!
ولماذا لا تحقق أغنية «أنا الملك» الأخيرة نجاحاً ساحقاً بين عشاقه فى قاعدة الهرم ومضايقة عارمة بين منتقديه فى قمة الهرم نفسه؟! يقول رمضان فى الكليب التلقيحى الكياد: «مهما تجرى صعب إنك تعدينى. لامبورجينى وانت يا ابنى مكنة صينى. ربك وحده اللى قادر يودينى». وحيث إن القيم المتحكمة فى هذا الزمان لا تخرج عن إطار «معاك قرش تساوى قرش»، فإن «لامبورجينى» رمضان تتحدث عن نفسها فى مقابل «المكن الصينى». ورغم أن جمهور رمضان هم ركاب وأصحاب «المكن الصينى»، فإنهم برجاحة عقولهم وعشق قلوبهم لمحبوبهم «الأسطورة» لم يعتبروا كلماته إساءة لهم. يقول «سيد» ابن الـ14 عاماً الذى يعيث فى شارع شبرا فساداً بماكينته الصينى: «محمد رمضان لا يقصدنا. إحنا ناسه اللى فى ضهره. هو يقصد الجماعة الغِلّانيين اللى بيغيروا منه واللى هاريين نفسهم كلام مش مفهوم عامل زى الصينى».
وحتى تكتمل التركيبة اللوذعية، يقول رمضان فى أغنيته «أنا الملك» «ربك وحده اللى قادر يودينى» ليستكمل بها دغدغة المشاعر المصرية الشعبية فى توليفتها الجهنمية. فلوس كثيرة، سيارات فارهة، ستات وبنات بملابس البحر حوله فى كل مكان، وكمان بتاع ربنا. هل هناك ما أو من هو أذكى من ذلك؟!