قبل أربعين عاماً من العهد الحالى واجه الشباب المصرى بدايات أزمة الحصول على وظيفة ملائمة تؤهله للحياة والحصول على زيجة مناسبة ، رغم أن الدولة آنذاك لم تكن قد تخلت بعد عن التزامها بتعيين الخريجين، ففى ذلك الحين كان الرئيس الراحل أنور السادات قد أعلن تحويل مصر إلى دولة انفتاحية استثمارية كبرى، ترتب على ذلك انتهاء عصر الإسكان الشعبى أو الإيجار القديم وبدء عصر الشقق التمليك، وكان مرتب خريج الجامعة فى ذلك الوقت خمسة وعشرين جنيهاً شهرياً، بينما الحد الأدنى لأسعار الشقق الآدمية فى المدن وصل فى بدايات الانفتاح إلى خمسة وثلاثين ألفاً! أى إن خريج الجامعة فى نهاية السبعينات كان يتعين عليه توفير كل راتبه الشهرى مدى الحياة حتى يتمكن من شراء شقة يتزوج فيها، وحتى لو فعل هذا فإن سعر الشقة بعد هذه السنوات سوف يصل إلى أرقام فلكية! لم يتوقف الشباب أو الدولة كثيراً أمام هذه المشكلة، فقد صار الشباب يبحث عن العروس التى تملك الشقة أو الفلوس أو استضافة العريس فى بيت العائلة، ولجأ آخرون إلى العمل الإضافى أو الهجرة، وتمكنت فئات أخرى من الالتحاق بأى فرع من فروع الاقتصاد الأسود أو الجماعات المتطرفة التى توفر لأعضائها فرص العمل والزواج والحياة مقابل الطاعة العمياء والولاء المطلق.
الكبار فى مصر يكتفون بإدانة ضحايا النظم السياسية العشوائية والإدارة اللامؤسسية فى ظل الحكومات المتعاقبة، ولكن أحداً من هؤلاء الكبار لا يجرؤ على اتهام الدولة والحكومة والنظام والملتحقين بهم من النخبة السياسية أو الاقتصادية أو الدينية بالمسئولية عن تدمير هؤلاء الضحايا ودفعهم لارتكاب كل الأخطاء المتاحة بما فى ذلك جرائم الفساد وانتهاك القانون. ولو افترضنا أن النظام الحالى قادر على تلبية رغبات النخبة القرفانة من سلوكيات الشعب المصرى فهل تتسع سجون وزارة الداخلية لشباب الزواج العرفى وشباب التحرش وشباب الضفائر وشباب البنطلونات الممزقة وشباب الترامادول وشباب التطرف الدينى وشباب البلطجة وشباب التوك توك وشباب الدعارة العادية أو المثلية وشباب العاطلين والعدميين والناقمين على الدولة التى لا تضعهم فى حساباتها؟ وهل تتسع السجون للفاسدين الكبار وأعوانهم إن تمكنت أجهزة الرقابة والأمن من ملاحقة كل أو معظم جرائم هذه الفئة من الناس؟
لو فكرت النائبة صاحبة اقتراح حبس مرتكبى الزواج العرفى أو تدبرت الوضع العام فى المجتمع المصرى لفوجئت بأن معظم أحوالنا عرفية وليس الزواج فقط. التعليم العام عرفى وليس حقيقياً، والشهادات الجامعية عرفية وليست واقعية، ومعظم شهادات الدكتوراه والماجستير عرفية أو أخوية، والأداء العام فى شتى هيئات ودواوين الحكومة عرفى، والأجور التى يتقاضاها العاملون بالدولة عرفية وليست فعلية أو فاعلة، ومواعيد القطارات عرفية، وملابس الفتيات والنساء الملتزمات معظمها عرفى، أقرب للتبرج منه للاحتشام.. إلخ إلخ، فهل يمكن وضع مصر كلها فى سجون السيدة نائبة البرلمان؟!