حكاية الحجر، قصة نُقشت على الحجر، من ثمانين فصلا بالقرن الثامن الميلادي، في الصين أرض العنقاء والتنين.
في تلك البلاد البعيدة البعيدة ومنذ عصور مديدة كانت هناك قصة حب عنيدة، بين شاب وسيم من أسرة ثرية، بالسلطة محمية، يدعى (جيا باو يوي) وابنة خالته الرقيقة الجميلة (لين داي يوي).
كان الشاب عاشقا هائما في غرامه، غير مهتم بالسلطة والجاه، أو المستقبل الإقطاعي ولا بالنفوذ أو البروز، كان موهوبا مميزا، مختلفا عن باقي أعضاء قصره، هادئا، متواضعا رقيقا، عذبا كأنه النسيم.. ولكن أباه (المهم) رأى أنه مستهتر غير مهتم، وقد أعيا استهتاره والده الذي شقي وتعذب بوريثه عجيب الخصال والطباع والأطوار، خاصة أن قلبه تعلق بالفتاة الخطأ، فهي ليست من النبلاء أو أصحاب الثروات إنها مجرد.. ابنة خالته.
كانت العاشقة (لين داي يوي) فتاة رقيقة القد، عذبة الصوت، ناعمة الملامح، ضعيفة الأنفاس شاحبة الوجه، فتحار في جمالها الهادئ الخاطف، أهو هدوء ووقار عذراء محبة أم هو حزن وأسى على حب مستحيل، أم بسبب يتمها وفقدانها أمها طفلة؟؟؟! لكنك أبدا لن تخمن أنه بسبب قلب ضعيف وجسد أنهكه المرض، إذ أن تلك الروح العاشقة المحبة بدت دائما، رقيقة عذبة تحيطها هالة من السحر والبهاء، زاد عليها عقل وحكمة وثقافة وحميد خصال زرعها بها والدها الحنون، الذي أغدق عليها عطفا وحنانا لم تأخذه فتاة في محيطها أو بعمرها، كانت مميزة بكل شيء، لا يشبهها أحد، فقط لم تكن من النبلاء ! بل كانت من العامة الأشقياء.
كان النبيل الوسيم، يحيطة الخدم والحشم وتقام له الحفلات الصاخبة والاحتفالات المهيبة والطقوس المعقدة والمآدب العامرة، فكل شيء معد بعناية ودقة فائقة، لا مجال للخطأ أو السهو كل شيء في موعده وبطريقته الخاصة جدا، ويتراءى لنا الموقف في مجموعة من الحراس مسؤولة عن الأمن يتوزعون بدقة عند المداخل وتوجيهات مفصلة إلى كل أفراد الأسرة تحدد الأماكن التي يجب أن ينسحبوا إليها، والمكان الذي يجب أن يركعوا فيه، والموضع الذي يستقبلون ويودعون به، فالبرتوكول الدقيق يجب أن يلتزم به الجميع.. هكذا هم النبلاء والشخصيات الهامة، الصرامة عندهم واجبة وتامة.
يبلغ بهم الأمر، أنه خارج تلك الاحتفالات هناك ضباط معنيون من وزارة الأعمال ورئيس حرس العاصمة للإشراف على تنظيف الشوارع وإخلائها من المتسكعين ومن السوقة والدهماء، وفي الأثناء ووسط تلك الأجواء تكون حاضرة بشدة رائحة أعواد البخور المحمولة على حوامل برونزية ذات أرجل ثلاث راسخة أبية، وتتراقص التنانيين الصينية الشهيرة وتتمايل.. كل شيء يلمع بلون الذهب والفضه والأزهار اليانعة تكسو المكان، كل هذا العمل الدقيق المعقد والمتقن والمتشابك يتم بتنظيم وهدوء تامين.
خلال تلك الاحتفالات، ترى الفتى النبيل، غائبا شاردا، مع محبوبته، في حقول الطبيعة، يبحران في جداول المياة المتجمدة على ضوء القمر الفضي، لاهين عن العالم والناس وكل الأجناس... فيثور الأب ويهدد ويتوعد.. إن لم يترك بطلنا حبيبته ويتزوج من النبيلة (شيويه باو تشاى) تلك الفتاة الجميلة الثرية ذات الجذور الأصيلة الأصلية، فلن تكون العواقب أبدا سلمية.
لكن العاشق عنيد، أصر على رأيه العتيد وحينما عجز والداه عن إثنائه عن عزمه بترك معشوقته، لجأ أخيرا إلى خدعة وأقنعاه أنهما موافقان، على تزويجه من محبوبته ابنة خالته.
وبالفعل أعدا العرس الضخم والفخم وغُطي وجه العروس بِالحَرير الصيني الملكي، ليرسم بطلنا الآمال الطوال، لحظة أن يزيل ذاك الشال الحريري عن وجه محبوبته العاجي... انتهى الاحتفال الكبير.. انفرد الأمير بحلم أحلامه.. تنفس الصعداء والحب والهناء.. أخيراً أصبح الحلم حقيقة، ورفع غطاء وجهها في لهفة فإذا هي (شيويه باو تشاي)!
يصرخ ويصرخ، ويفتح أبواب القصر، هربا راكضا، على بيت محبوبته، ويطرق بابها بقوة ولهفة وألم باكيا مناديا اسمها.. ولكن الباب حزين والدار باكية.. يتقدم الفتى النبيل بلهفة خائفة، فهناك شيء ما غريب، إن أصوات أنفاس حبيبته الضعيفة، ليست بالمكان !!!
يراها أخيراً فإذا هي جثة هامدة، لم يتحمل قلبها الضعيف، حرمانها من معشوقها وزواجه بأخرى، ماتت، مات الحب ويبكيها بكاء يكاد يسمع أهل الغرب ويأتي الوالدان على الخديعة، نادمين وربما فرحين، يأخذان بيده ليعود إلى عروسه (شيويه باو تشاي)، لكن العاشق ينظر إليهم في غضب كفيل بحرق العالم، مقررا عقابهم وإلى الأبد.. يذهب إلى المعبد ليهب نفسه للخدمة المقدسة ويكون رجل دين لا يسعى للزواج أو للدنيا.. وهكذا تكتب القصة على الحجر، لتشهد على قلوب عاشقة وأخرى من حجر !! وتسمى وتخلد باسم حكاية الحجر.