عام دراسى جديد يحمل معه قدراً من الأمل والألم، الأمل فى انصلاح الأحوال وتصحيح المسارات وإنقاذ ما يمكن إنقاذه فى أجيال لا يعلم سوى الله مآلها، والألم فى ما وصلت إليه الأحوال فى الهيكل التعليمى المصرى قلباً وقالباً.
القوالب الثابتة التى تبشرنا وزارة التربية والتعليم بقرب نسفها واحتمال وأدها ليحل محلها «مشروع قومى جديد»! يحدثنا وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقى عن مناهج تكاملية، وتدريب معلمين، وطرق تدريس تفاعلية، لكن الأهم أنه لم يعد بتغيير جذرى وتعديل آن بمجرد إصدار قرار وزارى، الرجل تحدث عن «ترميم النظام الحالى» من أجل نقل الطلاب والطالبات من ثقافة الحفظ والتلقين إلى الفهم والتعلم الحقيقى، ومن ثم الحصول على شهادات تعنى أن حاملها «فاهم مش حافظ».
ملامح التغيير ومعالم التعديل لن تظهر بالعين المجردة إلا بعد مرور أشهر، ومنعاً للإحباط الذى ينجم عن سقف توقعات يناطح السماء، وإتقاء لشر التشاؤم وتوقع ما هو أسوأ (سمة الكثيرين)، أقول إن الدكتور طارق شوقى بخلفيته العلمية والعملية وفكره وأولوياته يقف على طرف النقيض من الهيكل المدرسى المصرى المتهالك المتردى الغارق فى فساد الذمم والهمم والضمائر الحالى، وأقول أيضاً إن الهيكل المدرسى المصرى لم يسقط بين يوم وليلة، وإن السقوط أيسر وأسرع بكثير من البناء.
بالطبع دمقرطة المعلومات وإتاحة التعبير للجميع حق من الحقوق، لكن حين يتحول الحق «أداة فتى» فى ما تفهم الجموع وما لا تفهم، ومن ثم تتحول معاول هدم لما كان يمكن أن يكون بناء حقيقياً على طريق الإنقاذ المنشود، فهذا يستوجب قليلاً من التفكير وكثيراً من المراجعة.
وليست مبالغة إن افترضت أن ما يجرى من هبد ورزع على مدار الساعة 24/7 على أثير العنكبوت، وتمرير الآراء باعتبارها معلومات، والحكم على الأشياء من منظور «البلكونة» التى يجلس فيها الخبير الاستراتيجى التعليمى أو القهوة التى يتسامر فيها المتخصص فى شئون التربية والتعليم بينما ينفث دخان الشيشية أو يلعب عشرتين طاولة، ما هو إلا الخطر الأكبر الذى يتربص بنا.
وقبل أن يقفز القافزون ويتسرع المتسرعون للنتائج سابقة التجهيز والاتهامات المعدة سلفاً، فإن هذه ليست دعوة لمزيد من التضييق والتعتيم (فلدينا منهما فائض استراتيجى)، لكنها دعوة لبعض من تعقل وكثير من تدبر قبل أن تدق بأناملك على أزرار الـ«كى بورد» لتدلو بدلو بغيض أو تعمل «شير» لـ«بوست» عميق لكنه فى الواقع سخيف.
الواقع التعليمى الذى سنشهده فى العام الدراسى الجديد قد يحقق نجاحاً ينتشلنا مما نحن فيه، وقد لا يفعل، ومن ثم، هذه دعوة لترشيد الإفتاء العنكبوتى وتحويل دفة الهرى إلى موضوعات أخرى لحين بدء التجربة.
وعلى هامش العام الجديد، وبعيداً عن المحتوى الفريد والنظام الحديث، أقول إن تحديث المبانى المدرسية وطلاءها جميل بكل تأكيد، لكن خلال الأيام القليلة الماضية، وجدت أن جدران الغالبية المطلقة من المدارس الرسمية فى القاهرة قد تم طلاؤها وتزيينها بعبارات وكتابات أغلبها آيات من القرآن الكريم، والسؤال هو: ماذا لو تجرأ أحدهم وكتب آية من الإنجيل مثلاً؟ وماذا لو اكتفينا بكتابات تثقيفية غير دينية، هل تتأثر الأديان أو يهوى الإيمان أو ينتشر الإلحاد؟ بل أسأل ماذا لو توقفنا عن هذه العادة السخيفة السمجة أصلاً من تلطيخ جدران المدارس بالكتابات مكتفين بلافتة تحمل اسم المدرسة؟
وليكن شعار العام الدراسى الجديد: الدين لله والوطن للجميع والمدارس للتربية والتعليم.