جريس كيلي ممثلة شقراء شابة، لمع نجمها في أفلام المخرج العالمي (هيتشكوك)، لم تكن كغيرها من بطلات السينما العالمية، فقد قُدِّمت بشكل مختلف وتعاملت وعوملت بتميز شديد، كانت الوحيدة تقريبا الآتية من طبقة اجتماعية ميسورة الحال، كما أن ملامحها الرقيقة الدقيقة أعطتها ثقة أكبر ونوع أدوار معين، كان المميز دائماً عند (هيتشكوك) آنذاك الجمال المترف البارد، عرفت (جريس كيلي) أي نعمة لديها، فبلورتها وزانتها بأناقة بالغة، لذا أصبحت بحق أميرة والأميرة يلزمها أمير.
مثَّلت أفلاما قليلة، لكنها أحدثت ضجة كبيرة، أخذ الجميع عنها فكرة عذراء السينما، فهي الأنيقة، المحترمة والمختلفة.
ذات يوم ذهبت للتصوير في إمارة موناكو وبالتحديد في قصر الأمير الشاب (رينيه) وهناك علمت أنه مولع بعالم التمثيل والنجوم، داعبت خيالها الفكرة!، لما لا؟! وعادت إلى أمريكا وإلى عالمها وبعدها بفترة قصيرة، أقيم حفل توزيع جوائز السينما بمهرجان كان بفرنسا (عام 1955) وقد رسم لها هذا اليوم القادم من الأيام.
تجهزت النجمة لحضور المهرجان، وإذا بعمال الكهرباء يضربون عن العمل قبلها بيوم ويتجعد فستان الحسناء في حقيبة السفر.. ولا سبيل لكيه، لكن لا شيء يوقف القدر!! وتحضر الحفل بفستانها الجعد! ويحضر الأمير رينيه ويراها على الحقيقة بعد أن رآها مرارا على شريط السينما، بطلة جميلة في السادسة والعشرين وهو الأمير الشاب الأعزب الباحث عن عروس، ليحافظ على عرشه، فهو يجب أن يكون له وريث لعرش الإمارة وولي للعهد وإلا ذهبت موناكو لفرنسا مباشرة وضاعت إلى الأبد، وما أجمل هذه الفاتنة أمًا لولي العهد، هكذا اختار الأمير الشاب عروسه الساحرة، وما هي سوى أشهر قليلة وتعلن الخطبة على العالم اجمع.
يذهب الأمير الوسيم على يخته الأنيق ويصطحب عروسه إلى إمارة موناكو وسط سرب من المراكب والزوارق وتصل الأميرة إلى حيث حياتها الجديدة وعالمها الاختياري، لتثبت مرة أخرى أنها ليست كغيرها من النجمات وتبدأ مراسم العرس الأخاذ المترف والذي لم يسبقه احتفال بهذا الزخم من قبل ولربما لم يشابهه احتفال حتى اليوم.
كانت رغبة الأمير الشاب، ألا تعود أميرته إلى التمثيل أو السينما فالأمر لم يعد يليق بصاحبة اللقب وبالطبع هذه الرغبه قد أحزنت متابعيها ولكنهم كانوا منشغلين عن حزنهم بمراقبة أخبار ويوميات قصة العشق الجديدة ذات الطابع الملكي.
أما المخرج (هيتشكوك) فلم يكن كباقي الجمهور، فقد فقد بطلته التي رآها مذهلة، ليس لإمكانياتها التمثيلية الفائقة ولكن لأنه كان يحبذ هذا النوع من الجمال البارد والملامح التي يستطيع تشكيلها وتسخيرها في أي دور كيف يشاء، هي ملهمته واكتشافه وكنزه الكبير، إنها خسارة لا تعوض.. أضمر حزنه آملا في أن تعود الأميرة لشاشته يوما، فمضجرة هي رتابة وكلفة القصور ولا بد للجميلة من الحنين يوما لأيام النجومية، إنها خلقت لتكون محور الأحداث، فأي أحداث تلك التي يمكن أن تدور في قصر في إمارة صغيرة!! هناك لا يمكن أن يكون لها دور سوى أن تكون زوجة الأمير الأجنبية، حتى وإن اتخذت لقب أميرة، الا أن أضواء الشهرة وسحر الكاميرات تأسر وتستعبد من يتذوقها، لكن مخرجنا الكبير تعالى على إحباطه هذا منتظرا اللحظة المناسبة لإرجاعها أمام كاميرته أو بهذا وعد نفسه ولم يكن هذا حاله بمفرده بل كان حال شركة جولدن ماير بأسرها وإكراما لعيون النجمة الحسناء، أهدتها الشركة فستان الزفاف، موقعا بصناعة أمهر مصممات هوليوود وبقماش ثري يعود تاريخ صناعته إلى القرن التاسع عشر، وإذعانا لرغبة الأمير لم يكملا تصوير الفيلم المزمع مع الشركة الأشهر، شريطة أن تصور مترو جولدن ماير العرس كاملا وقد كان العرس الأسطورة... زُفَّت النجمة السابقة والأميرة القادمة، تحت أعين العالم، وبحضور كل أمراء وملوك ورؤساء العالم، كان من الحضور الملياردير اليوناني المعروف (أوناسيس) والذي أعرب عن فرحته بإرسال مروحيات تنثر زهور القرنفل على العروسين، وبإهدائهما يختا ضخما يتنزهان به في شهر العسل ولربما كان (أوناسيس) يخبئ بهذه الحفاوة الزائدة والمجاملة المبالغة إحباطه العارم فقد أثيرت شائعة أن أوناسيس أراد الاستحواذ على إمارة موناكو عن طريق السيطرة على الأمير رينيه وقد رأى أنه إذا استخدم (مارلين مونرو) في هذا الأمر، فإن الاستثمار في الإمارة أصبح في جيبه أما (جريس كيلي) بعد أن أفسدت حلمه فيا حبذا لو مل منها الأمير سريعا.
تمت المراسم وتزوج العاشقان ولم يمل أحدهما من الآخر وأنجبت الأميرة ثلاثة من الأمراء، بهم جمال الأم وفخامة وأبهة العرق الملكي وحرصت الأميرة الفنانة على تربيتهم دون دلال مفرط ومضت الأيام والأبناء يكبرون والأميرة الأم تقيم الحفلات والاستقبالات والمشاريع الخيرية، فازدانت بها المملكة وتألقت وأصبحت قبلة الكثيرين، أضفت جريس كيلي من وهجها على الإمارة الصغيرة فأصبحت كوجهها وضاءة منيرة.
ولكن أهكذا فقط تسير الحياة؟!!، وكما تنبأ هتشكوك وتوقع، فالأميرة قد تسرب إلى قلبها الكآبة والضجر، فظهرت في عينيها علامات الحزن ولم يخفف عنها حينئذ كونها السيدة الأجمل والأكثر أناقة على وجة الأرض، وزاد في كآبتها أن ذكر أحد كتاب الفضائح أن زواجها من الأمير (رنييه) قد أنقذها من إفلاس سينمائي رهيب، لأن موهبتها لم يكن لها أن تستمر، إذ أن أداءها كان باهتا، غير مميز، كما أنها ليست كما يُكتب ويُقال عنها، إنها (عذراء هوليوود) بل إنها كانت متعددة العلاقات ولم يكتف بهذا بل ذكر أيضا أنها ليست تلك الفتاة أرستقراطية النشأة بل إن والدها من طبقة وضيعة وقد اعتاد على استغلال الثريات مستغلا وسامته المفرطة وبين حقيقة الاتهامات أو كذبها، كانت (جريس كلي) تعيش لحظات قاسية وكان الشجن دائم الظهور في نظرة عينيها.
قال عنها مصور شهير اعتاد على تصويرها هي وأسرتها ومشاهير العالم إنه كان من المستحيل أن تتزوج (جريس كيلي) من رجل عادي، لأن حضورها الطاغي وتأثيرها الكبير كان سيجعل أي رجل تتزوجه ما هو إلا مجرد السيد كيلي !!!! بعد كل هذا، هي لا تفعل شيئا حقيقيا في هذا العالم.. أظنها هكذا شعرت وظلت تلتقط الصور وتتأنق وتعتمر القبعات، إلى أن جاء يوم اشتاقت به للسينما وللأضواء وحدثها هيتشكوك في موضوع فيلم جديد.. داعبت الفكرة خيالها، وبدأت في الاستعداد للعودة إلى الشاشة الفضية، إلا أن الأمر لم يكتمل.
ففي يوم حزين كانت الأميرة (كيلي) تقود سيارتها، وفجأة انحرفت السيارة عن مسارها وسقطت... سقطت أيقونة الجمال والموضة وأسقطت معها قلوب الملايين، ماتت صغيرة في الثالثة والخمسين، حزن أميرها عليها وحزنت الدنيا ونعى العالم (جريس كيلي).
لم يتزوج الأمير من بعدها ووجد عزاءه في أبنائه وبقايا ذكرياته مع حبيبته، كان يصر على التقاط الصور العائلية له ولأولاده بجانب صورة (جريس) لتظل معهم دائماً وتطول الحياة بالأمير بعدها سنوات طوال ولا ينسى أميرته ومعشوقته ولا ينساها العالم.