ازدادت فى الآونة الأخيرة مظاهر التدين الشكلى، وكان من الطبيعى أن تسود مع هذه الزيادة قيم الأخلاق والعمل، لكن على العكس من ذلك انعدمت بصورة غير مسبوقة فى تاريخ مصر، الأخلاق الحسنة، وغاب الإتقان فى العمل والرّقى فى الحوار واحترام الآخر، وعمّ الفساد بكل صوره من سرقة وتحرش وغش وكذب وتواكل وكسل وخروج عن الآداب العامة وقبح فى المظهر والتصرف، وسادت اللغة السوقية والبلطجة فى جميع مناحى الحياة.. إلخ.
الغريب والعجيب أن ما نُطلق عليه الزمن الجميل ونشتاق إلى رجاله ونسائه، ونضرب به مثلاً على رقينا وتحضّرنا وتميّزنا بين الأمم، لم يكن فيه هذا الكم من التدين الشكلى كالحجاب أو النقاب، أو الجلابيب القصار أو اللحى الطوال، حتى فصيل الإخوان لم تكن نساؤهم محجبات، وكان رجالهم يرتدون البدل والكرافتات، ففى تسجيلات حفلات أم كلثوم، لن نعثر خلال المشاهدة، على محجبة واحدة. ولم تكن الإذاعات الداخلية فى المصالح والمستشفيات تذيع على روادها القرآن الكريم، ولم يكن حديث العمرات والحج هو الشغل الشاغل للناس، ولم تكن برامج الدين ورجال الدين وفتاواهم فى كل مناحى الحياة.
نعم كان هناك حج وعمرة وتراويح وصلوات وبرامج دينية بقدر؛ لكن فى الزمن الجميل كان كل هذا السلوك الدينى يتوافق قلباً وقالباً مع السلوك البشرى والحضارى فكانت الناس تستدعى خلق رسولنا المصطفى، صلى الله عليه وسلم، وحديثه الكريم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) نبراساً لها، وتجعل من عبادتها لربها عادة وسلوكاً مترجماً فى السلوك القويم، أمانة فى العمل، وصدقاً فى القول، ورفقاً فى النصح والإرشاد، وتراحماً فى العلاقات الأسرية، وتشابكاً ومواساة ومساندة لذوى الديانات الأخرى، واحتراماً للإنسان، فكانت مصرنا بخلق شعبها وترابط أهلها واحترامهم لدينهم والالتزام بشعائره، الإسلام أو المسيحية، منارة الدنيا وقبلة الأولين والآخرين.
لكن عندما تمسكنا بالدين شكلاً فلم نطبقه عملاً وسلوكاً، ابتعدنا عن مكارم الأخلاق التى وصانا بها رسولنا المصطفى وانشغلنا بانتهاك حرمة الآخرين فعلاً وقولاً، وبتكفير كل من يختلف معنا؛ تفشّت فينا الفرقة والفتنة، وساد الفساد، وأصبح الخمر شراباً، والميسر حظاً، والابتذال فنّاً وإبداعاً، والرشوة مجاملة وهدية، والاختلاط السافر تحضّراً، والتعرى أناقة وحرية شخصية، والزنا علاقة عابرة، والأمر بالمعروف تزمتاً، والنهى عن المنكر تخلفاً!! والنصح بترك المعصية يكون رده: أكثر الناس تفعل ذلك، لست وحدى!!
فصارت بلادنا وناسها فى أدنى مدارج الرقى والتقدم الحضارى بين البلاد والشعوب، وأصبحنا فى ذيل الأمم يُتندّر بسلوكنا ويُضرب المثل بنا فى ضياع الأمانة والكذب، وانطبق على حالنا قول أمير الشعراء أحمد شوقى (إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا).
اللهم ردنا إليك رداً جميلاً برحمتك يا أرحم الراحمين.