حدث عجيب شهدته مصر بعد موت كافور الإخشيدى أواخر الألفية الأولى (عام 968م) دعا فيه بعض المصريين، المغاربة الفاطميين للمجىء إليهم والسيطرة على أرضهم وحكم البلاد. يقول «ابن إياس»: «لما مات كافور اضطربت أحوال الديار المصرية غاية الاضطراب، وطمع أهل القرى فى الجند، وامتنعوا عن وزن الخراج، فعند ذلك كتب أعيان مصر إلى المعز الفاطمى -وكان ببلاد الغرب- بأن يحضر إلى الديار المصرية، ويتسلم المدينة ويتولى عليها. فلما وقف المعز على تلك المكاتبات أرسل إلى مصر الأمير جوهر القائد الصقلى ومعه 100 ألف من عساكر الغرب فكان دخول جوهر القائد إلى مصر سنة 358هـ (969م)».
يذهب «ابن إياس» إلى أن أعيان المصريين هم الذين أرسلوا الرسائل إلى المعز الفاطمى لكى يأتى ويحتل مصر ويحكم البلاد ويشكم العباد ويصلح الأوضاع. قد يقول قائل إن مفهوم الاحتلال لم يكن حاضراً فى عقل ووجدان المصريين، خلال تلك الفترة (القرن الرابع الهجرى)، فالمهم أن يكون الحاكم مسلماً، ولا يهم بعد ذلك أن يكون تركياً أو شامياً أو عراقياً أو مغربياً. وهذا الكلام صحيح إلى حد كبير، لكنه يغفل أمرين، الأول أن الفاطميين كانوا شيعة، فى حين كان المذهب السنى هو المذهب الرسمى للدولة حينذاك، وإذا لم تكن مفاهيم القومية الوطنية حاضرة فى ذلك الوقت، فقد كانت المسألة المذهبية تغطى حينها على ما عداها من مسائل، وكان الصراع بين السنة والشيعة على أشده، وفى أقل تقدير فقد مثل الحكم الفاطمى احتلالاً مذهبياً لمصر تواصل عبر ما يزيد على قرنين من الزمان، الأمر الثانى يتعلق بتجربة الاستقلال القومى بمصر عن دولة الخلافة العباسية التى خاضها أحمد بن طولون والتى لم تكن قد فقدت طزاجتها بعد.
من الواضح أن الأزمة الاقتصادية التى تراكمت أسبابها خلال فترة حكم «كافور» أرهقت المصريين بصورة غير محتملة، مما دفعهم إلى البحث عن حل من الخارج وطرق باب المغاربة. يصف «ابن الأثير» هذه الأزمة قائلاً: «لما مات كافور الإخشيدى، صاحب مصر، اختلفت القلوب فيها، ووقع بها غلاء شديد، حتى بلغ الخبز كل رطل بدرهمين، والحنطة كل ويبة بدينار وسدس مصرى، فلما بلغ الخبر بهذه الأحوال إلى المعز، وهو بأفريقية، سير جوهراً إليها، فلما اتصل خبر مسيره إلى العساكر الإخشيدية بمصر هربوا عنها جميعهم قبل وصوله».
وليس من السهل على شعب مر بتجربة حكم مثل تجربة «كافور» أن يفكر تفكيراً مستقيماً أمام أزمة. والمسألة لم تكن فى كون «كافور» عبداً أو غيره، المسألة فى كم الأزمات الاقتصادية التى خلفتها سنوات حكمه، وما قدر الله من حوادث وقعت فى عصره. كل هذه العوامل ساهمت فى اهتزاز قدرة أعيان البلاد (الذين استدعوا الفاطميين) وضعف ثقتهم فى أنفسهم. وعلينا ألا نغفل التحولات التى عاشتها البلاد حينذاك فى تركيبة حكام الدولتين الطولونية والإخشيدية. فقد بدأت الرحلة بحاكم «مملوك» وانتهت بعبد خادم هو كافور الإخشيدى الذى اعتلى كرسى الإمارة رسمياً لمدة 3 سنوات.