«عالمة نابغة».. زينب سفر: ما زالوا يصورون مهندس القوى الميكانيكية بأنه «فنى سيارات»
زينب سفر
استيقظت فى الصباح الباكر، شديدة الحماسة ليومها الأول فى الجامعة، مسرورة لدراستها فى هندسة جامعة القاهرة، تجهزت بسرعة وغادرت منزلها متلهفة لرؤية قاعة المحاضرات الفسيحة تحت القبة الشهيرة، ما إن خطت خطواتها الأولى داخل «المدرج» حتى فوجئت أن الزميلات فى قسمها لم يزدن على خمس فتيات أما الزملاء فتخطوا حاجز الـ 200 زميل.
لم تربك هذه الغربة الدكتورة زينب سفر، أستاذ هندسة القوى الميكانيكية فى جامعة القاهرة، والسيدة الوحيدة بين طاقم التدريس بالقسم، بل زادت من فرصتها فى الظهور والتميز: «أثبتت جدارتى فى دراسة هندسة القوى الميكانيكية، وهو المجال الذى اخترته ضمن 13 قسماً آخر، رغم صعوبته وندرة وجود المرأة به، تخرجت بتفوق فى الجامعة فى ستينات القرن الماضى، سافرت بعدها إلى أمريكا، لأدرس الماجيستير والدكتوراه فى جامعة بيتسبرج».
دكتوراه فى تزييت الماكينات ومركبات الفضاء وتوربينات محطات القوى الضخمة
قبيل تقديمها لمقترح رسالة الدكتوراه عن «التزييت» سافر ذهنها إلى مصر وثقافتها وإعلامها والأفلام والدراما التليفزيونية بها، فضحكت وقالت فى نفسها: «سيعتقدون حالياً أننى بلية ودماغه العالية، أستغرب دوماً لماذا يصورون فى مصر إلى الآن مهندس القوى الميكانيكية على أنه ميكانيكى سيارات، يتخيلون أننى سأرتدى الأفرول، وأفترش تحت السيارة لتصليحها ثم ينسكب فوقى زيتها وشحمها»، تؤكد على الاختلاف الكبير بين عمل المهندس والفنى: «تناولت فى دراستى للدكتوراه الطرق المثلى لتزييت الماكينات ومركبات الفضاء وتوربينات محطات القوى الضخمة، توقعت أنه بعد دخولى لذلك المجال سأفتحه بذلك أمام السيدات بعدى، لكننى للأسف حزينة لأن ذلك لم يحدث بعد، وما زالت كثافة المرأة هنا قليلة جداً».
دربت 10 آلاف سيدة فى المشروعات الصغيرة واستخدام التكنولوجيا
وعن كونها السيدة الوحيدة فى مجال هندسة القوى الميكانيكية بجامعة القاهرة قالت: «نقوم بتعيين بعض المعيدات كل عام، لكنهن لا يكملن، إما يسافرن إلى الخارج أو يتوقفن عن الدراسة بحجة صعوبة القسم وتعقيداته، خاصة بعد بدء حياتهن الأسرية»، منذ خطوتها الأولى أدركت أن ذلك الميدان يحتاج إلى تفرغ ومزيد من الوقت للدراسة والعمل معاً، وأنه ربما يتعارض قليلاً مع مهامها كأم وربة منزل وزوجة، فأعدت قائمة أولوياتها لتُحدِث توازناً مقبولاً بين العمل والحياة الأسرية: «تنازلت عن أشياء كثيرة يفعلها الآخرون، فأصبح وقتى مقسماً بين العمل والمنزل، والترفيه له أقل وقت ممكن، فلا بد من وجود تضحية، وكان الالتزام الصارم والجدية هما السمت العام لحياتنا».
لا يغريها سكون جدران المنزل العائلى الهادئ، بعد يوم عمل عادى ينتهى فى الثانية ظهراً، لذا تعشق صوت المحركات الثقيلة والتوربينات الضخمة وأجواء العمل الصاخبة، تبحث دائماً عن الجدوى من عملها، وتسأل نفسها مراراً وتكراراً كيف أطبق التكنولوجيا التى أتعلمها لخدمة المجتمع: «أعتز بمشاركتى فى مشروع يحمل اسم تحسين هواء القاهرة، عُهِد إلينا فيه بمكافحة تلوث هواء القاهرة بالرصاص وكان ذلك فى أواخر التسعينات من القرن الفائت، وكانت شبرا الخيمة من أكثر المناطق تلوثاً بالرصاص فى العالم حينها، ذلك الوضع أثر بالسلب على صحة السكان وعلى نمو الأطفال وذكائهم، كثفنا عملنا حتى قلت نسبة التلوث عما توصى به منظمات الصحة العالمية».
فى منزلها كانت تشرف على واجبات أطفالها المدرسية بإحدى عينيها، وبالعين الأخرى كانت تشرف على ذلك المشروع: «بالاتفاق مع وزارة البيئة، الحكومة قررت تنتج «بنزين» خالياً من الرصاص منذ عام 97، وفى شبرا الخيمة تخلصنا من مسابك الرصاص، التى جمعها التجار من بطاريات السيارات المستعملة وتم صهرها وتحويلها إلى رصاص، تسبب فى وصول نسبة تلوث الهواء إلى 40 ضعف المعايير العالمية وتلوث التربة مئات الأضعاف».
تزاحمت المشروعات التى عملت عليها خلال مسيرتها المهنية فى رأسها، وانفرج ثغرها عن نصف ابتسامة: «من الحاجات التى سعدت وأفتخر دوماً بها عملى فى تدريب عشرة آلاف سيدة فى المشروعات الصغيرة واستخدام التكنولوجيا بها، عكفت على تعليمهن كيفية الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة لخدمة أفكارهن التجارية، وأنشأنا مواقع إلكترونية للصناعات الصغيرة ولتسويق المنتجات، وعن طريقها استطاع البعض تصدير منتجاته إلى المغرب والسعودية والإمارات»، حازت على جائزة أنيتا برج للرواد فى تكنولوجيا المعلومات من أمريكا عام 2007 عقب إتمامها ذلك المشروع.
50 عاماً مرت منذ تخرجت الدكتورة زينب فى جامعة القاهرة وحصولها على شهادتها العلمية الأولى: «ما زلنا فى احتياج إلى مزيد من التوغل فى العلم والأبحاث، تطورنا كثيراً عن الماضى، لكن ما زال مستوانا أقل من مستوى الأبحاث بالخارج، مشكلة مصر الكبرى فى الصناعة هى كونها بلداً مستهلكاً ومستخدماً للتكنولوجيا لا منتجاً لها»، تشير بيديها إلى جهاز التكييف المعلق فى سقف الغرفة: «هذا التكييف مثلاً على أعلى مستوى ويتم تصديره إلى الخارج، لكنه ليس صناعة مصرية، نحن نستورد الأجزاء والمكونات من بلدان مختلفة ونجمعها ونبيعها فقط لكنها ليست تصميمات مصرية».