كان الجيش المصرى قد حدّد مشاركته فى تحرير الكويت بأنها ستكون بقوات برية، ولن يشارك فى أى ضربات جوية، وأن مهمته هى إيقاف القوات العراقية وصدّها لعدم التوغل فى الأراضى الكويتية ورجوعها إلى حدودها الدولية، وهذا تطلب أن يكون قائد القوات المصرية المشاركة من سلاح (المشاة)، وبما أن القوات المصرية سوف تتشارك هذه المهمة مع القوات السورية، فقد وقع الاختيار على (اللواء محمد على بلال) كونه كان ضمن أول مجموعة ضباط مصريين سافرت إلى سوريا عام ٥٨ للخدمة بالجيش السورى بعد إعلان الوحدة بين البلدين، وأن اختياره سوف يسهّل طريقة المشاركة والاتصال وإيجاد لغة مشتركة فى تسيير وتنسيق المهام فيما بين الجيشين، وكانت التقارير العسكرية التى تركها وزير الدفاع الأمريكى للرئيس مبارك تقول إنه فى الساعة الرابعة والنصف فى أول أغسطس كان هناك اجتماع لصدّام فى مقر الجيش العراقى حضره كل القادة العسكريين العراقيين، واستمر لمدة ساعتين تم خلالهما وضع خطة غزو الكويت، وأنه بدأت تحركات آليات وكتائب وانتشرت حول الحدود الكويتية، وقد ساعدت طبيعة تلك الحدود المتداخلة بين البلدين على إخفاء تحركات القوات العراقية، حتى تم كشفها بطائرات الاستطلاع الأمريكى، والذى كانت لدى مبارك نسخة منها تركها «تشينى» مع التقارير، وفى ١٠ سبتمبر تم عودة الجامعة العربية إلى مقرها بالقاهرة، وأعلنت مصر الإفراج عن أرصدة الجامعة العربية المجمدة فى البنوك المصرية، وعلى هذا الأساس عقدت الاجتماعات الطارئة الخاصة بغزو العراق للكويت من القاهرة، وفى منتصف سبتمبر تزايد عدد الفرق العسكرية العراقية فى الكويت، حتى بلغت الـ١٥ فرقة.
وبدأ (تشينى) زيارة للسعودية وبعض دول الخليج ومصر للحصول على تعهدات وتسهيلات للقوات الأمريكية فى إطار خطة حشدها وبالحصول على حق الإقلاع، كما بدأت الطائرات الأمريكية التمركز فى بعض القواعد فى الدول الخليجية المجاورة، ووافقت القيادة السياسية فى مصر على تزويد بعض طائرات النقل الأمريكية بالوقود وإجراء عمليات الصيانة، بينما رفضت تمركز سرب من القاذفات الأمريكية (بى ٥٢)، وخلال زيارة «تشينى» للسعودية تم الاتفاق على تشكيل قيادة للعمليات الهجومية، وتشكلت بالفعل قيادة القوات المشتركة ومسرح العمليات برئاسة الفريق (خالد بن سلطان)، الذى كان يشغل منصب قائد القوات الجوية والدفاع الجوى السعودى، وكان الاختيار لكونه حاصلاً على جميع دراساته العسكرية من الكليات والأكاديمية العسكرية الأمريكية، وبذلك يسهل التفاهم مع المدرسة التى يتبعها وأيضاً كون الأرض التى ستتمركز عليها جميع القوات هى الحدود السعودية الكويتية، وأنه يجب أن يكون ذلك تحت قيادة قائد من الدولة التى تملك الأرض، وفى الأسبوع الأخير من أكتوبر، كانت الفرقة الثالثة المصرية قد اكتمل وصولها، وتم وضع خطة دفاعية للجيش العربى لمواجهة أى تصرف عراقى طائش على الحدود السعودية.
وبدأت القيادة الأمريكية فى إمداد القوات المصرية بصور للأقمار الصناعية وتقارير طائرات الاستطلاع عن حجم القوات العراقية ومناطق تمركزها ومحاور اقترابها، وكانت الخطة العربية دفاعية، وليست هجومية، حيث يدّعى البعض بأنه كان هناك هجومٌ ما حدث على القوات العراقية، وهذا غير صحيح بالمرة، حيث كان الجيش المصرى اختار المقدمة حتى لا يعرّض الجيش العراقى لخسائر بشرية على وجه الخصوص، فكان ينادى بمكبرات الصوت عدة مرات لانسحاب القوات العراقية ويسبقها بعدة ساعات برمى منشورات تحثهم على الرجوع إلى خط حدودهم حقناً للدماء والأخوة العربية، ولكن فى هذه الأثناء حدثت مشادة بين اللواء بلال، والفريق خالد، ومرجعه أن القائد المصرى لم يعِ أنه ليس مشاركاً ضمن اتفاقية الدفاع العربى المشترك، التى كانت تعطى لمصر حق القيادة للجيوش العربية فى أى بقعة من أرض المنطقة، وهى القيادة التى مارسها كل من الفريق عبدالمنعم رياض، والفريق سعد الدين الشاذلى أثناء حربى ٦٧ و٧٣، أما المشاركة المصرية فى هذه الحرب فكانت ضمن تحالف دولى، وليس عربياً فقط، وأيضاً هناك قيادة مشتركة أمريكية - سعودية تدار من منطقة «حفر الباطن» على الحدود السعودية الكويتية، وسبب آخر هو فرق الرتبة والمنصب، فلقد كان «بلال» يشغل وقتها رئيس هيئة تفتيش الجيش المصرى، وهو برتبة لواء، فى حين أن «خالد» كان يشغل قائد قوات الدفاع الجوى، وأن هذا لن يضير «بلال»، لأنه أحدث من «سلطان»، وأيضاً الشخصيات التى كان متأثراً بها «بلال» ويريد أن يماثلهم كانوا رؤساء أركان الجيش المصرى، ورتبتهم «فريق»، ومن هنا كان رفض «بلال» أن يعمل تحت قيادة «سلطان» فى غير موضعها من كل الوجوه ولكن الاشتباك وصل إلى الذروة بين الاثنين، مع الأخذ فى الاعتبار أن «بلال» تصرف فى ذلك من تلقاء نفسه ودون الرجوع إلى قيادته الأعلى بوزارة الدفاع فى القاهرة، ما استلزم رجوع «بلال» فوراً إلى مصر والتحفظ عليه لحين انتهاء الحرب مع امتثاله إلى المساءلة العسكرية لاتخاذه قرارات لا تستوعبها سلطته العسكرية فى المهمة المكلف بها خارج حدود الوطن، ودون الرجوع إلى قيادته الأعلى، وعلى الفور تم تكليف اللواء صلاح الحلبى، الذى كان يشغل قائد الجيش الثالث الميدانى، وهو من سلاح (المشاة) أيضاً .. (يتبع).