الصحافة.. مهنة البحث عن مواطن
فاطمة
فى قاموس صحافة القصص الإنسانية، لا تعتبر «صاحبة الجلالة»، مهنة البحث عن متاعب، بل مهنة البحث عن مواطن، نبحث عنه فى كل مكان، فى الشوارع والطرقات وعلى الأرصفة، فى المصالح الحكومية والخاصة، فى المؤسسات والهيئات والمراكز، فى الأحياء الراقية والعشوائية، عين «الوطن» وعدستها تبحث وتحلل وتكتب وتصور لتنقل لك صورة واقعية من مجتمعات ربما لا تعرفها.
وفى رحلة البحث هذه، نصل أحياناً إلى أناس لا صوت لهم فنصبح صوتهم، ننقل خبراتهم وحكاياتهم ومشكلاتهم، نسهم فى تغيير عالمهم الصغير، لنرسم الابتسامة على وجه الحزين، نساعد فى علاج المريض، ونخفّف الحمل عن المتعبين، وبين عشرات القصص التى نالت استحسان القراء وتفاعلهم، اخترنا لكم هذه المجموعة التى نُشرت خلال عام 2018، لمواطنين لم تتوقف علاقتنا بهم عند الرصد فقط، بل المتابعة والتأثر، وهذا هو دور الصحافة.
«الوطن» تفتح «أبواب الخير» للسيدة التى تحمل زوجها: ربنا كريم
نشرت «الوطن» قصتها المأساوية فتعاطف معها الجميع وعرفها المجتمع بـ«السيدة التى تحمل زوجها على ظهرها».
هبة السيد رجب، تحمل قصتها بُعداً إنسانياً، اتجهت إليها الأنظار وتسابقت البرامج على استضافتها منذ أن ظهرت عبر صفحات «الوطن» وهى تحمل زوجها على ظهرها من منطقة سكنها فى العزبة البيضاء فى المرج إلى أحد مراكز الغسيل الكلوى الخاصة الواقعة فى منطقة المطرية ليخضع لجلسة غسيل كلوى.
مساعدات كثيرة من مصادر مختلفة حصلت عليها «هبة»، ما جعلها تصف ما حدث بـ«وش الخير عليها»: «الأول كنت زى اليتيمة وماليش حد بس ربنا كريم».
أول رد فعل على قصة «هبة»، كان من جانب وزارة الصحة بعد يوم واحد من النشر حيث تواصلت الوزارة معها وتم تخصيص سيارة إسعاف لنقل زوجها من وإلى المنزل بعد خضوعه لجلسة الغسيل الكلوى بالمعهد القومى للكلى والمسالك البولية فى المطرية بدلاً من المركز الخاص الذى كانت تذهب إليه: «العربية بقت بتيجى توديه وترجعه، وأنا اترحمت من الشيل والفلوس».
بعد مرور أكثر من 9 أشهر على نشر القصة تغيرت حياة «هبة» وأسرتها نحو الأفضل فى جوانب عديدة حيث قامت إحدى الجمعيات الخيرية بفتح محل متخصص فى بيع مساحيق التنظيف بمنطقة «المنايا» التى تقع على مسافة قريبة من محل إقامتها فى «العزبة البيضا» فى المرج، يضمن دخلاً يومياً للسيدة، كما قام بعض فاعلى الخير بشراء كرسى متحرك لزوجها للتخفيف عنها، كما تلقت السيدة مبالغ مادية ساعدتها كثيراً فى مصاريف أبنائها: «أهل الخير مش سايبينى وبيعملوا اللى بيقدروا عليه بس أنا نفسى فى شقة أعرف أعيش فيها أنا وجوزى وولادى».
«هبة» تحمل زوجها قبل استجابة «الصحة» بتخصيص عربة إسعاف لنقله
نشرنا قصة بائع متجول بساق واحدة فرُزق بساق صناعية.. مبروك يا «رمضان»
فى الصباح، وكعادته كل يوم، كان هانى رومانى، صاحب محل لبيع الإكسسوارات، يطالع جريدة «الوطن»، فاسترعى انتباهه قصة الشاب رمضان عوض الذى يبيع العكاز فى شوارع القاهرة بينما يسير بساق واحدة مستنداً على عكاز، هالته القصة التى التهم سطورها بنهم شديد مقرراً -بعد إغلاق صفحاتها- أن يتواصل مع «الوطن»، ليصل إلى هذا الشاب ويعوضه بساق صناعية ليتمكن من السير ومواصلة عمله بلا عائق.
«ربنا بيسبب الأسباب، وأنا واحد من الناس المتابعين لجريدة الوطن، ولما شفت صورة رمضان هزتنى أوى»، يحكى «هانى» الذى تذكر على الفور قصة ابنه كيرلس، الطالب بالصف الرابع الابتدائى: «ابنى اتولد برجل واحدة، وكنت بعيط عشان أشوفه واقف على رجله، ربنا خلقه كده ومتقبل نفسه، لكن رمضان رجله اتقطعت وكمان بيبيع فإحساسه أصعب».
تكلف «هانى» بثمن الساق الصناعية، وحين ارتداها «رمضان» لأول مرة فى نوفمبر الماضى بدت على وجهه ابتسامة، وظل نظره متعلقاً بساقه الجديدة لدقائق، قبل أن يوجه الشكر للفرصة التى منحت قصته النشر بجريدة «الوطن»: «الصحافة دى طلعت حاجة عظمة أوى عشان بتكتب عن الناس الغلابة»، قالها «رمضان» بينما كان يجرب ساقه الجديدة لأول مرة على بعد خطوات من المركز الطبى الذى صمم له الطرف الصناعى الذى كان خفيفاً كما تمنى: «دلوقتى بتحرك بيه وبدرب رجلى عليه، والحمد لله بقيت أحسن، وريحنى كتير فى كل تحركاتى».
عاد «رمضان» إلى محافظة أسيوط، مسقط رأسه، للبيع هناك على فرشة أسفل أحد الكبارى، ولم يعد بحاجة إلى التنقل كثيراً بحمل العصى الخشبية التى كان يحملها على كتفه: «بشكر أستاذ هانى اللى وقف جنبى، والصحافة اللى وصّلت صوتى لمواطن تانى من غير سابق معرفة».
«رمضان» مع المتبرع
أثناء تركيب الساق الصناعية
«الصحة» تستجيب والقراء يتبرعون: لسَّه الصحافة بخير
حكاية نشرتها «الوطن» منذ 6 أشهر، عن طفل يدعى «محمد» لم يتعدَّ عمره الـ14 عاماً، كانت سبباً فى تغيير حياته رأساً على عقب.
كان «أحمد» يحمل شقيقه الأصغر «محمد» المصاب بتليُّف فى الكلْية اليسرى على كتفَيه ذهاباً وإياباً مستقلّاً قطار المحافظات مركز «ببا» بمحافظة بنى سويف، إلى وحدة الغسيل الكلوى بمستشفى الدمرداش، فى القاهرة، لمدة ثلاثة أيام فى الأسبوع، وبمجرد نشر هذه القصة لاقت تفاعلاً كبيراً من جانب القراء، ورجال الأعمال، ووزارة الصحة التى بادرت بعرض الطفل المريض على «كونسلتو» للعلاج، مع توفير سيارة إسعاف مجانية لنقله إلى المستشفى اللازم لعلاجه.
محاولات عدة تدخل فيها الكثيرون لحل المشكلة، وتوفير العلاج للطفل الأصغر: «وزارة الصحة تواصلت معانا أول ما الموضوع اتنشر وقالوا لنا هنتكفل بعلاجه مجاناً، مع توفير سيارة إسعاف هتنقل محمد للمستشفى»، كلمات قالتها إفراج سليم، والدة الطفلين، مؤكدة أنها فى انتظار تحقيق الوعد واستكمال استجابة وزارة الصحة.
استقبلت «إفراج» دعوة من التأمين الصحى ببنى سويف، لفحص حالة ابنها، طالبين منها مستنداً يثبت مرض طفلها وخضوعه للعلاج فى وحدة الغسيل الكلوى فى بنى سويف لاستكمال العلاج، كما تبرع المهندس محمد فريد خميس، رجل الأعمال، بتكاليف إجراء عملية زرع الكلى للطفل، لكنها متوقفة على استخراج تقرير طبى من مستشفى الدمرداش.
«أحمد» يحمل شقيقه
سألنا «رونى»: «نفسك فى إيه؟» فقال: «أبقى معلق رياضى».. وقد كان
«من داخل دورى صائد النجوم على قناة مصر البلد أهلاً بكم»، كلمات تعبر عن الإنجاز الذى حققه حمدى محمد، الشهير بـ«رونى»، أشهر طفل فى مجال التعليق الرياضى، والذى عبر فى «فيتشر» نشرته «الوطن» عن حلمه فى أن يصبح معلقاً رياضياً، وبالفعل تحقق الحلم بعد نشر الموضوع.
«فيه يومين فارقين فى حياتى عمرى ما هنساهم، يوم ما اكتشفت موهبتى، ويوم ما نُشر تقرير عنى فى جريدة (الوطن)».. يتحدث «حمدى»، صاحب الـ16 عاماً، عن مشاركته ببرنامج «صائد النجوم» على قناة «مصر البلد»: «بلتزم بأى تعليمات أو ملاحظات بتتقال لى من أول ظهورى كضيف أو حتى عبر مداخلة، لحد ما حققت حلمى بالظهور على الشاشة الصغيرة».
«الله عليك يا عم، شلت كل الهم».. «كل دقيقة بتعدى ما زال هناك تحدى»، بعض العبارات التى يستخدمها «حمدى» فى تعليقه على المباريات: «بحاول أخلق أسلوب خاص أتميز بيه عن غيرى».
«رونى»
حققنا حلم «عمر» فى تقديم حلقة مع أسامة كمال.. شبيك لبيك
9 مارس 2018، تاريخ محفور فى ذاكرته، كان يحلم بمقابلة الإعلامى أسامة كمال، وتقديم حلقة معه فى برنامجه «مساء DMC»، نشرت «الوطن» أمنيته، فتحول الحلم إلى حقيقة، ففور قراءة «كمال» لقصته أرسل إليه ليحقق حلمه الصغير، الذى طالما حلم به.
عمر عنان، 11 عاماً، وصف نفسه بأنه أصغر مذيع، حيث يقدم برنامجاً على موقع «يوتيوب»، يعبر من خلاله عن مشاكل المجتمع: «لما كلمنى أسامة كمال كنت فرحان وفى نفس الوقت مرعوب».
ليلة كاملة قضاها «عمر» فى التحضير للحلقة التى قدمها بقناة «DMC»: كنت خايف من الكاميرا إلى حد ما لكن قدرت أتعامل، دى أول مرة أصور على الهواء بس كانت تجربة ممتعة.. طول عمرى كنت بتخيل نفسى مذيع قدام المرايا وأخلّى حد يمثل دور الضيف، دى كانت لعبتى المفضلة».
جملة «انت شاطر يا عمر»، التى قالها الإعلامى أسامة كمال له عقب الحلقة، ما زالت تتردد فى أذنه حتى الآن: «اتبسطت جداً إنه بيشجعنى وده حفزنى إنى أكمل فى مشوارى الطويل».
«عمر» مع «كمال»
ستات حملة «بـ100 راجل» يشعرن بالفخر: علقنا قصص كفاحنا على الحيطان
خرجت الكلمات من قلوبهن بنقائها وفطرتها لتُنشر على صفحات «الوطن»، وتجذب إليها عشرات الآلاف من التحيات والإعجابات بقصص نجاحهن.
حملة «ست بـ100 راجل» التى تبنتها «الوطن»، ونشرت على مدار حلقات متعددة فى الصفحة الأخيرة، جعلت السيدات المكافحات يرفعن رؤوسهن ويشعرن بقيمة ما يفعلنه فى الحياة، ومنهن «توحيدة باشا»، بائعة البيض، التى احتفظت بنسخ مختلفة من الجريدة داخل دكانها بالمغربلين، تخرجها لكل زبون يأتيها وهى تضحك ببراءة شديدة: «أنا نزلت فى الجورنال، نزلوا قصة كفاحى».
شعرت «توحيدة» بأن ما فعلته تجاه أسرتها يستحق التكريم. العدد الذى نشرت فيه قصة كفاح فاطمة صلاح، صاحبة مقهى بمنطقة المناصرة، كان عدداً مميزاً للسكان والعاملين فى المنطقة، الجميع يمسك بنسخة فى يده لقراءة قصة كفاح المرأة التى يترددون على مقهاها يومياً: «الأول ماكنتش أعرف، قلت لهم فيه إيه، قالوا لى حكايتك طالعة فى الجورنال، ماصدقتش إلا أما شفت.. كنت فرحانة أوى».
احتفظت «فاطمة» بأعداد من الجريدة، وعلقت قصتها على أحد جدران المقهى: «الناس كانوا بييجوا لى القهوة ويقولوا لى مبروك، فعلاً حاجة تفرّح».
«لما نزلت حكايتى، من ضمن حلقات (ست بـ100 راجل)، حسيت إن شقايا وتعبى ماراحش هدر»، كلمات شفاعة حسن، التى نشرت الحملة حكاية طهيها للطعام بشارع باب البحر، والتى تعمل منذ أن كان عمرها 10 سنوات، وتصرف حالياً على أحفادها الـ9: «بقيت فخورة قدام أحفادى والناس كلها كانت فرحانة بيا».
زبائنها هم الذين اشتروا لها الجريدة: «الناس جابوا لى الجورنال وهما فرحانين وقالوا لى إنتى تستاهلى كل خير يا أم نسمة، وأنا برضه بتمنى الخير لكل الناس».
عفاف عبدالمقصود، صاحبة فرن بالسيدة زينب، هى بطلة أول حلقة فى سلسلة حملة «ست بـ100 راجل»، أصبحت قصة كفاحها حديث سكان المنطقة وتلقت عروضاً كثيرة لتصوير قصة حياتها فى فيلم وثائقى، لكنها رفضت: «فرحت أوى باللى كتبتوه عنى، علشان أنا تعبت وشقيت فى حياتى، وبتمنى فى السنة الجديدة الناس كلها تحقق اللى بيحلموا بيه».
«عفاف» صاحبة الفرن
«شفاعة» بائعة الأكل
«توحيدة» بائعة البيض