تجيبنا ثورة 25 يناير التى نعيش ذكراها الثامنة هذه الأيام عن سؤال: متى يفقد نظام الحكم صلاحيته، ويصبح عرضة لثورة الشعب عليه؟. يحدث ذلك عندما يصاب الأفق السياسى بالانسداد. أواخر عصر مبارك شعر الكثير من المصريين بأنهم يقفون أمام أفق سياسى مسدود، فانتخابات مجلس الشعب (نهايات 2010) أفضت إلى سيطرة كاملة من جانب الحزب الوطنى على مقاعده، وعندما عبر البعض عن تبرمه مما يحدث، وجاء ذكرهم فى سياق أحد خطابات مبارك الأخيرة قبل الثورة علق على حالهم ضاحكاً: «خليهم يتسلوا». الرسالة كانت واضحة للجميع وتقول إن النظام سيفعل ما يريد دون أن يكترث بأحد.
عبارة «خليهم يتسلوا» يكمن بداخلها مؤشر آخر من مؤشرات انتهاء صلاحية النظام وثورة المصريين فى يناير، فقد شعر الكثيرون بالإهانة والرئيس يردد على أسماعهم مثل هذه العبارة لمجرد أنهم عابوا على نظامه احتكار السلطة وغلق المجلس التشريعى فى البلاد على حزبه «الوطنى» بكل الوسائل المقبولة وغير المقبولة سياسياً. هذه العبارة كانت تؤشر إلى أن النظام فقد حساسيته السياسية، وأصبح يدير قواعد العلاقة بينه وبين الشعب كما يحلو له. والشعوب قد تصبر لبعض الوقت، لكنها لا تصبر طول الوقت. عبارة «خليهم يتسلوا» كانت تلخص النظرة إلى شعب يراه نظام الحكم «منزوع الكرامة»، لذا كان هتاف «كرامة إنسانية» أحد الشعارات الأثيرة لدى أغلب من شاركوا فى الثورة.
يأسُ الشعب كان مؤشراً آخر على انتهاء صلاحية نظام «مبارك». سيطر على المصريين منذ عام 2005 حالة من اليأس من إمكانية تغيير الأوضاع القائمة عبر طريق السياسة، ففى هذا العام رشح مبارك نفسه للمرة الخامسة، وطيلة السنوات التى أعقبته كانت الأحاديث عن التوريث لا تنتهى. رسالة النظام للشعب كانت تقول «لا سبيل إلى التغيير». لا خلاف على أن قطاعاً من المصريين اقتنع بالرسالة وأخذ يتحدث عن أن «اللى تعرفه أحسن من اللى ما تعرفوش»، وغير ذلك من عبارات كانت تتردد على ألسنة البعض، لكن قطاعاً آخر من الناس رفض هذا الطرح، وعلم أن ثمة طريقاً واحداً للتغيير -ما دام النظام لا يرضى بسبيل السياسة- هو طريق الثورة.
مؤشر رابع يمكن الاستدلال به على انتهاء صلاحية النظام، يتعلق بسيطرة إحساس على الشعب تلخصه عبارة «هناك خطر قادم». فما كان يتردد من معلومات داخل وسائل الإعلام عن حجم الفساد والثروات المتراكمة لدى بطانة الحكم أثار ذعر الناس. وتعمّق هذا الإحساس بسبب ما كانوا يسمعونه من أحاديث حول مشروعات ينوى رجال الحرس الجديد بالحكم بقيادة نجل الرئيس تنفيذها، وكانت فى أغلبها تحمل خبراً بالمزيد من المعاناة للمواطنين، والمزيد من الثروات للمنتفعين.
لم تكن ثورة يناير مدبرة، كما يذهب البعض، ولا فورة حماس أو هوجة، كما يهون آخرون من شأنها، بل كانت نتيجة طبيعية لعدد من المقدمات التى أفضت إلى حقيقة رسخت فى ذهن أغلب من شارك فيها. حقيقة تقول إن «نظام مبارك فقد صلاحيته.. ولا سبيل لتغييره إلا بالثورة عليه».