إلى متى سيظل الرئيس الفلسطينى محمود عباس مؤمناً «بالسلام»؟ وعن أى سلام يتحدث؟ هل هو السلام كما تراه إسرائيل والولايات المتحدة؟ أم هو السلام الذى يحقق حلم إقامة الدولة الفلسطينية؟. يبدو أن سلام الرئيس أبومازن لم يتكئ على قاعدة راسخة، فهو ينادى بالسلام من أجل السلام! حتى لو كان فى مخيلته فقط، سنوات طويلة، وهذه الكلمة لا تغادر قاموسه اللغوى والسياسى فى كل المناسبات، هى الثابت وكل ما حولها متغير، آخرها كان بالأمس حينما عاد وكرر كلمته الأثيرة خلال افتتاح منتدى «الحرية والسلام الفلسطينى»، الذى افتتح أعماله فى رام الله، حيث قال: «إننى أؤمن بالسلام أكثر من أى وقت مضى ولا أريد الحرب»، معرباً عن أمله بأن تفرز الانتخابات الإسرائيلية المقبلة من يؤمن حقاً بالسلام، مؤكداً أنه على استعداد تام للعمل معه من أجل إحلال السلام فى المنطقة!!.
«السلام» الذى ينادى به الرئيس «عباس» ومنذ تقلده السلطة، لم يتحرك قيد أنملة إلا فى إطار التنسيق الأمنى بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية وإسرائيل، فلم يجن «سلام» الرئيس عباس سوى المزيد من التراجع فى ملف القضية الفلسطينية، وأصبحت الطرف الأضعف فى المعادلة الإقليمية والدولية، ففى كل مرة يؤكد فيها على «السلام» لا يجنى سوى المزيد من الفشل والتراجع سياسياً واقتصادياً وحضوراً، فى المقابل يزداد تحصن إسرائيل السياسى والأمنى بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، والخاسر الوحيد فى هذه اللعبة هو الشعب الفلسطينى بشقيه فى الضفة الغربية وغزة.
لقد حذر ضابطان سابقان فى الجيش الإسرائيلى من أن استمرار الوضع الحالى فى الساحة الفلسطينية، سيقود إلى انهيار السلطة الفلسطينية وغياب حل الدولتين بالكامل، فى ضوء استطلاعات الرأى التى تظهر تزايد تأييد الفلسطينيين لحل الدولة الواحدة، فيما ستضطر إسرائيل للتعامل مع الفلسطينيين مباشرة، ما سيشكل خطراً كبيراً على الأمن القومى الإسرائيلى وأشار الضابطان، وهما رئيس «المعهد للسياسة والاستراتيجية» فى المركز متعدد المجالات فى هرتسيليا، اللواء فى الاحتياط عاموس جلعاد، وهو «منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية» السابق فى الضفة الغربية وقطاع غزة، والباحث الكبير فى المعهد نفسه العميد فى الاحتياط أودى أفينطال، فى مقال فى صحيفة «هآرتس» إلى أنه «لا توجد لدى إسرائيل استراتيجية متعددة الأبعاد حيال الصراع الجوهرى مع الفلسطينيين، ومواجهة الواقع الناشئ وسياستها مبنية على الفعل بالأساس». واعتبرا أن السياسة الإسرائيلية «تنظر إلى الأمد القصير وتركز على جانب مركزى واحد، ويتمثل بمنع الإرهاب والحفاظ على الهدوء»، وبحسب الضابطين فإن التحدى القادم هو انهيار السلطة الفلسطينية، بعد أن اتخذت طريق التسوية عبر المفاوضات كرؤية استراتيجية لحل الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، والتى هى آخذة بالانهيار مقابل طريق المقاومة.
ومع توقع تصاعد التوتر الأمنى بين جيش الاحتلال والفلسطينيين، فإن الضغوط ستزداد سوءاً على إسرائيل، لأنها ستكثف من قواتها فى الضفة الغربية على حساب تحديات أخرى، وتفكيك السلطة وتوسيع السيطرة الإسرائيلية سيؤدى إلى اختفاء فكرة الدولتين وتعزيز فكرة الدولة الواحدة، وهو الهاجس الذى يخيف إسرائيل فى ظل التباين الديموغرافى بين الطرفين، واللافت أن هذين الضابطين، لم يطرحا شيئاً سوى إنقاذ السلطة الفلسطينية من انهيار محتمل، من خلال دعمها لتؤدى دوراً أمنياً فى خدمة الاحتلال الإسرائيلى! ما يعنى استمرار السياسة الإسرائيلية الفاشلة نفسها التى ستقود إلى انفجار فى وجهها هى، وإن تأخر ذلك لسنوات قليلة مقبلة.