عادل العدوى الباحث فى «معهد واشنطن»: الاستفتاء أول إحصاء رسمى لحجم الدعم الشعبى لثورة 30 يونيو
قال الباحث السياسى عادل العدوى، المتخصص فى الشئون المصرية بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إن الاستفتاء الذى شهدته مصر على الدستور الجديد لم يكن استفتاءً على الدستور فحسب، وإنما على شرعية ثورة 30 يونيو، مؤكدا أن اصطفاف الناس أمام اللجان كان رغبة من جانبهم فى التصويت لصالح الاتجاه الذى تسير فيه مصر بعد «30 يونيو»، مشيراً إلى أن ارتفاع نسبة التصويت بـ«نعم» يثبت وقوف الشعب إلى جانب ثورته، وأن ما يردده الإخوان عن تدهور شعبية «30 يونيو» مجرد أكاذيب تخالف نتائج الاستفتاء.
وأضاف «العدوى»، فى تصريحات خاصة لـ«الوطن»، أن «لغة الأرقام هى إحدى قواعد الارتكاز فى استكشاف قراءات المستقبل، وبعد الاستفتاء أصبح لدى كل الباحثين إحصاءات عملية لحجم التأييد الشعبى لثورة يونيو»، وتابع: «ننتظر رد فعل الإدارة الأمريكية بعد الإعلان الرسمى عن نتائج الاستفتاء»، مشيراً إلى أن بعض الدوائر البحثية والإعلامية الأمريكية تتعامل مع الأمر بانتقائية، وتركز على بعض الشواهد السلبية القليلة، تاركة الصورة الإيجابية الكاملة، متوقعا أن يأتى التعليق الأمريكى الرسمى إيجابيا.
وشدد «العدوى» على أن وصفه «30 يونيو» بالثورة، على خلاف أغلبية الباحثين فى المراكز الأمريكية الكبرى، ليس انحيازا لمصر بقدر ما هو انحياز للحقيقة التى يؤمن بها كباحث، لافتا إلى أن أغلبية هؤلاء الباحثين تابعوا «30 يونيو» عبر وسائل الإعلام، بينما كان هو قريبا من الأحداث على أرض الواقع ورصد تفاصيلها، بحسب قوله.
وأوضح الباحث أن «التعريف العلمى لتدخل الجيش والاستحواذ على السلطة لمباشرة الحكم، هو انقلاب عسكرى، بينما فى حالة مصر، لم يتدخل الجيش على رغبة منه، وإنما دُفع للتدخل استجابة لمطالب الملايين التى طالبت بإنقاذ مصر من سيناريو الحرب الأهلية، وسلم السلطة لرئيس مدنى مؤقت وحكومة مدنية لحين انتخاب رئيس جديد يعبر عن إرادة المصريين». وأضاف «العدوى» أن من روج لمصطلح الانقلاب داخل الولايات المتحدة هى مراكز الأبحاث، بينما الإدارة الأمريكية لم تستخدم مطلقا مصطلح «الانقلاب» فى وصف ما جرى فى مصر.
وأشار إلى أن القول بأن «مرسى» كان رئيسا منتخبا هو قول بلا مضمون، لأن الديمقراطية لا تقف عند صندوق الانتخابات فقط، وإنما بممارسة الحكم بالديمقراطية أيضاً، مدللا على ذلك بأن «الإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس المعزول فى نوفمبر 2012 وكسر به كل مبادئ الديمقراطية، أسقط عن جماعة الإخوان وقادتها أى شبهات ديمقراطية».
وكشف «العدوى» عن تأصيل جديد فى العلوم السياسية مرجعه ورقة بحثية بعد ثورة يناير فى جامعة هارفارد تناولت ما يسمى بـ«الانقلاب الديمقراطى» أو «الانقلاب الشعبى» ذهبت إلى أن هناك مبدأ جديدا فى الشرق الأوسط يحمل دورا لافتا للمؤسسات العسكرية فى دعم الديمقراطية.
وعن الكونجرس الأمريكى وخطواته المتوقعة تجاه مصر فى الفترة المقبلة، لفت «العدوى» إلى إسراع لجنة المخصصات فى مجلس الشيوخ إلى إصدار توصية بحصول مصر على مساعداتها التى تحصل عليها من الإدارة الأمريكية كاملة، بالتزامن مع إجراء الاستفتاء فى مصر، وأضاف: «فى اعتقادى أن الولايات المتحدة بدأت تستوعب الأمر الواقع الجديد فى مصر، الذى يصعب على أى إدارة امريكية تجاهله لفترة طويلة»، وأشار إلى وجود تيارين داخل الإدارة الأمريكية ومؤسساتها الرئيسية (البيت الأبيض والأمن القومى و17 جهاز استخبارات والبنتاجون والخارجية)، خصوصا فى ظل سعى البيت الأبيض للتحكم فى كل الملفات، ما خلق حالة من الشد والجذب بين المؤسسات فيما يتعلق بالأحداث فى مصر.
وأوضح «العدوى» أن «حول أوباما مجموعة من الشخصيات، منهم سمانتا باورز مندوب أمريكا فى الأمم المتحدة وسوزان رايس مستشار الأمن القومى ورئيس المخابرات المركزية الأمريكية، وهؤلاء يتخذون موقفا متشددا ضد مصر، فى مقابل مواقف شخصيات مثل وزير الدفاع هيجل ووزير الخارجية جون كيرى الذين لا يميلان للمواقف المتشددة، وظهر هذا الصراع أمام الرأى العام الأمريكى والعالمى حين زار جون كيرى مصر فى الثالث من نوفمبر الماضى، بالتزامن مع محاكمة مرسى، متجاهلا تعليمات سوزان رايس بإثارة ملف محاكمة مرسى مع المسئولين المصريين، وهو تجاهل يرجع فى الأساس إلى الاستجابة للرأى المؤسسى داخل الخارجية الأمريكية».
وقال «العدوى» إن ما يحدث من تطورات إيجابية داخل الكونجرس الأمريكى ليس ببعيد عن هذا الصراع، فهو يعبر عن غلبة التيار الذى يرى ضرورة التعامل البراجماتى مع الأمر الواقع فى مصر للحفاظ على المصالح الأمريكية وهى كثيرة ومتشعبة.
وأكد «العدوى» أن التيار الأمريكى الداعم للإخوان والمطالب بدمجهم فى الحياة السياسية مجددا، بدأ يضعف وصوته ينخفض كلما مضت مصر قدما فى سبيل تثبيت أقدامها على خارطة الطريق. وأضاف أنه فى كثير من لقاءاته مع المسئولين الأمريكيين، سواء فى الخارجية أو البيت الأبيض، نقل إليهم أن فكرة دمج الإخوان فى الحياة السياسية فى مصر حاليا هو أمر غير واقعى، لأن الإخوان لا يواجهون أزمة مع سلطة أو حكومة، وإنما يواجهون أزمة شعبية لأول مره فى تاريخ الإخوان منذ تأسيسها عام 1928.
وردا على سؤال عن رد فعل المسئولين الأمريكيين، قال «العدوى»: «فى اعتقادى أن مسئولى الولايات المتحدة فاهمين كويس ما يحدث فى مصر، ولديهم كل المعلومات، لكنهم يعانون من ضبابية فى القرار». وأضاف أنه «لا أحد يعرف الاستراتيجية الأمريكية تجاه مصر حاليا، ولا يمكننا الجزم بأن لديهم استراتيجية محددة، لأن سياستهم قائمة منذ أشهر على رد الفعل، دون أن نحدد رؤية لمستقبل العلاقات بين مصر وأمريكا، وهو موضوع ورقتى البحثية الجديدة التى من المقرر أن تصدر خلال الأسابيع المقبلة».
وقال «العدوى»: «إن العلاقات بين القاهرة وواشنطن حيوية ومهمة للغاية لكلا الطرفين، وأعتقد أن لغة المصالح سيكون التركيز عليها خلال الفترة المقبلة، لأن مصر اكتسبت مساحة كبيرة فى الندية والقدرة على الرفض فى علاقاتها مع أمريكا منذ 30 يونيو، وستحافظ على مكتسباتها فى المستقبل لأن مصر تمسكت بسيادة قرارها الداخلى، وعلينا أن نتذكر الردود المصرية على المواقف التى أبدتها آن باترسون السفيرة الأمريكية السابقة فى مصر».
وحول دور لوبى شركات العلاقات العامة فى التأثير على القرار الأمريكى وكيف تستفيد منه جماعة الإخوان، قال «العدوى»: «إن تخصصه العلمى كان فى هذا المجال تحديدا، وهناك المئات من شركات اللوبى تعمل داخل أمريكا، وهى شركات مكونها الرئيسى مسئولون سابقون فى الإدارات الأمريكية لهم قنوات اتصال نافذة داخل الإدارة والكونجرس والإعلام، ومن خلال هذه القنوات يؤثرون على صناعة القرار السياسى والاقتصادى، وعلى سبيل المثال قد تلجأ شركة مشروبات غازية عالمية لشركة لوبى حتى تمنع صدور قانون يؤثر سلبا على مصالحها الاقتصادية أو الدفع بقانون يحقق لها منفعة اقتصادية، وكذلك تتعاقد الدول مع هذه الشركات للحفاظ على مصالحها، لذلك فإن هذا المجال يشهد ضخ نحو 3 مليارات دولار سنويا، وفيما يتعلق بالإخوان هناك دول مثل قطر وتركيا اتخذت سياستها الخارجية موقفا واضحا من دعم الإخوان، لذا ليس من المستبعد أن تكون شركات العلاقات العامة التى تتعاقد معها هذه الدول داخل امريكا تخدم الإخوان، لأن خدمة الإخوان وأهدافها أصبحت خطا واضحا للسياسات الخارجية لهذه الدول، كما أن مصر تعاقدت مؤخرا مع شركتين للعلاقات العامة فى محاولة لتصحيح صورة 30 يونيو، لكن لا يجب الاعتماد عليهما كليا، لأن الأمر بالنسبة لها مجرد بيزنس، لا يصح أن يكون بديلا عن الجهد الوطنى».