«طبيب» ينتمى لجماعة الإخوان نشر على صفحته الشخصية على موقع التواصل الأزرق الشهير يوم تنفيذ حكم الإعدام فى «قاتلى» المستشار هشام بركات، أن المحكوم عليهم تم استخراج أعضائهم من أجسادهم لبيعها يوم التنفيذ صباحاً.. وهو منشور يستوجب أن نقف أمامه كثيراً.. قبل أن نستنكر أو نسخر.. أو حتى نتجاهله باعتباره أقل من أن يرد عليه!!
فصاحب المنشور يعرف أكثر من غيره أن ما يدعيه يصلح للسينما أكثر من الواقع.. وأنه وبرغم تيقنه باستحالة تنفيذ الأمر الذى يدعيه لأسباب فنية وطبية بحتة.. وبمعزل عن الوازع الأخلاقى.. يستغل عدم اختصاص العامة.. ويبتز عواطفهم ومشاعرهم لتجنيدهم بشكل لا يدركون هم أنفسهم أنه قد حدث!!
والواقع أنه كثيراً ما كان يشغلنى أن أكتشف كيف يفكر ذلك العبقرى الذى يتمكن من محو كل بواقى الحضارة من رأس شاب متعلم عصرى.. ويقنعه أن يطيل ذقنه بصورة غير مهذبة.. ويكفر المجتمع كاملاً.. ثم يتطور الأمر لينضم إلى تنظيم القاعدة أو أحد مشتقاته مثل داعش.. ليبدأ فى حمل السلاح وقتل مدنيين دون أن يطرف له جفن.. وهو مقتنع اقتناعاً كاملاً أن إزهاق تلك الأرواح ليس أكثر من وسيلة للتقرب إلى الله!!
الأمر ليس هيناً بكل تأكيد.. فتغييب عقل واعٍ متفتح يحتاج إلى وسائل غير تقليدية.. ومجهود غير عادى لتوظيف كل ما هو متاح توظيفه لخدمة الهدف.. ولكننى أعتقد أنه مهما بلغ من مهارة.. لم يكن لينجح فى مأربه إلا إذا وجد المجال مفتوحاً أمامه.. أو لم يجد فى المقابل من يواجهه.. ولعل المعركة التى دارت رحاها على مواقع التواصل الاجتماعى نهاية الأسبوع الماضى هى خير دليل على ذلك.. وأفضل برهان على أننا نحتاج للكثير من التأهيل لنقف أمام الآلة الإعلامية الإخوانية بشكل أكثر فاعلية..!
لقد كان حادث الإعدام هو الشرارة الأولى لتنطلق كل الأذرع الإعلامية للجماعة فى كل مكان لمهاجمة الحكم والتشكيك فى القضاء المصرى والنظام بشكل كامل.. فى استهداف واضح للمواطن العادى فى المقام الأول.. وباستخدام وسائل متعددة يجيدونها خير إجادة، من استدرار العطف والتخوين والتأويل.. وغيرها من الأسلحة التى تصل بالمتلقى إلى التشكيك فى كل شىء.. حتى إن الأمر قد وصل إلى محاولة «تحييد» من يفشلون فى إقناعه.. ومنعه من الحديث عن الأمر بحجة الحفاظ على مشاعر أسرهم!!
لم أتمكن من تحديد العلاقة بين المظهر الخارجى للمتهمين وبين استنكار ما فعلوا وتجريمه.. فإرهابى حادث الأزهر الذى فجر نفسه قبلها بأيام كان أكثر وداعة منهم بمراحل.. ولم أدرك حيثيات الرافض لإعدامهم بحجة أنهم لهم أسرة وأطفال صغار.. فقد كانوا أولى منى فى الحفاظ على أسرهم وأطفالهم!!
لقد تمكن أحد كوادر الأذرع الإعلامية للإخوان من قلب الحقائق.. ونجح فى خلق رأى عام وظهير شعبى مناهض للحكم -ومؤيد للجرم وللجماعة بالضرورة- وهو نفسه لا يدرى أنه يفعل ذلك.. وأنه قد تم تجنيده بشكل احترافى للدفاع عن الجماعة وأفرادها فى مجتمعه الصغير المحيط به.. والذى حين تتسع الدوائر وتتصل ببعضها يكون المجتمع كله!!
كنت أفضل أن نفوّت الفرصة عليهم بإعلان الأمر وحيثياته قبل أن يعلنوا هم عنه.. أن تخرج فيديوهات اعترافات المتهمين للناس قبل أن يخرج التسجيل المقتطع لأحدهم وهو يصرح بأنه قد تعرض للتعذيب.. كنت أفضل أن نصبح «فعلاً» هذه المرة لا «رد فعل» كما يحدث دائماً وأبداً.. وأن نستوعب أن الظهير الشعبى الذى يتكون للجماعة فى الشارع هو ما جعلها تعود فى الماضى.. وما يجعل لها فرصة فى العودة مستقبلاً!!
إنها اللعبة ذاتها التى نفشل فى مواجهتها فى كل مرة.. دون أن نحاول أن نتعلم من تكرار الخسارة!!