«مريوط».. السمك هزيل.. والمساحة تقلصت 80٪: خيرها كان زمان
بحيرة مريوط تعانى من تقلص المساحة وقلة الإنتاج السمكى
كوخ صغير تحيط به المياه من كل جانب، وإلى جواره مجموعة من قوارب الصيد الصغيرة تطفو على سطح أحد أحواض بحيرة مريوط بجوار بعضها، بعد رحلة صيد لا تغنى ولا تسمن من جوع، حيث كانت الحصيلة بضعة كيلوجرامات من السمك هى كل ما حصل عليه السبعينى عبدالله بركات، المستلقى داخل الكوخ ليريح جسده الهزيل المنهك استعداداً للعودة إلى منزله «خائب الأمل».
بحيرة مريوط التى تعتبر مصدر رزق «بركات» الوحيد، عانت من أزمات متلاحقة على مدار عقود، وانتهى بها الحال إلى ما هى عليه الآن، من تلوث وانخفض منسوبها بصورة كبيرة بعدما حُرمت من منابع تغذيتها بالمياه العذبة والأسماك المختلفة.
«بركات» يمارس الصيد فى بحيرة مريوط منذ زمن طويل، لأنه ورث المهنة «أباً عن جد»، وشهد بدايات أزماتها التى انطلقت «فى أوائل الستينات» عندما بدأت مساحة البحيرة فى التناقص شيئاً فشيئاً، وخسرت كثيراً من خيرها، وعن هذه المرحلة قال: «كنت بغطس فى البحيرة الأول، دلوقتى بتمد إيدك تجيب الطين، والسمك اللى فيها لو مماتش من قلة الميّه هيعيش ضمران ومش نافع بعد ما كان السمك البورى زمان بينط قدامنا فى الميّه، لدرجة إننا كنا بنضرب سمكة تعبان البحر بالخرطوش عشان نصطاده من كتر ما هى كبيرة وطول القارب».
لم ير «بركات» أى تطوير للبحيرة منذ زمن بعيد، ويؤكد أن انخفاض منسوب المياه فى البحيرة وكثرة «البوص» هما أكثر ما يؤرق الصيادين، وأى تطوير بعيد عن هاتين المشكلتين لن يجدى نفعاً، وهو الأمر الذى دفعهم إلى طرق صيد غير مشروعة، من خلال استخدام الغزل الضيق، الذى يأتى بالأسماك الصغيرة، بعد أن حرمت البحيرة من أسماك «مسنودة» على حد تعبيره: «غصب عننا، لو البحيرة حالها أفضل الصياد مش هيشتغل بالغزل الضيق وبدل ما يصطاد السمك الصغير هينزل الغزل الواسع ولما يجيب له 5 أو 6 كيلو كبير أبرك من 30 كيلو صغير».
«فوزى»: «الناس ماكانتش بتودى عيالها المدارس وعلموهم الصيد فى العصر الذهبى».. و«الزغوى»: «لو اهتموا بيها هتطلع خير كتير»
الرجل السبعينى لا يطمع فى أكثر من أن يجد «قوت يومه» الذى لم يعد متوافراً فى هذه المياه الضحلة، خاصة أنه لم يتبق من البحيرة سوى 6% فقط من مساحتها تصلح للصيد: «بقينا نزق الفلوكة فى الطين ومبقيناش عارفين دى بحيرة ولا أرض بور، واللى بيطلع 5 أو 6 صناديق سمك مسنود دلوقتى يبقى كده عمل ثروة».
أزمة بحيرة مريوط تطارد الأجيال القديمة والحديثة من الصيادين، ومن بين هذه الأجيال الشابة محمد أبوسالم، 30 عاماً، قضى منها 17 عاماً داخل البحيرة، وقال: «أكبر مشكلة بتقابلنا هى تطهير البحيرة، أماكن قليلة جداً هى اللى ينفع فيها الصيد وباقى البحيرة مفيش فيها منفس، والمشكلة التانية ميّه الصرف اللى بييجى علينا من الشركات والمصانع».
الوضع فى بحيرة مريوط لم يكن هكذا عندما عرف «محمد» طريقه إلى الصيد بها، حيث كانت تدر عليهم الكثير من الخير الذى لم يعد موجوداً الآن، وتابع: «الوضع صعب جداً، وأنا واحد عندى عيال والصيدة بتاعتى النهارده يا دوب 5 أو 6 كيلو، رغم إننا فى موسم، بعد ما كنت بطلع فى اليوم بـ30 أو 40 كيلو، ده غير إن السمك نفسه سعره فى النازل، وبقت أرخص سلعة موجودة».
أزمة أخرى تعانى منها البحيرة وهى أنواع السمك الموجود بها، فبعد أن كانت البحيرة مصدراً لأنواع مختلفة من الأسماك تغذيها بها ترعة المحمودية التى كانت تغذيها بالمياه العذبة، انقطع عنها هذا المصدر منذ عدة أعوام، يقول «محمد»: «اتقفل علينا واتفتح على المزارع الخاصة، والبحيرة مبقاش فيها غير بلطى وقراميط، واشتكينا كتير جداً عشان محتاجين زريعة بس مفيش فايدة، وطول عمرنا نسمع وعود بالتطوير لكن مفيش حاجة بتتم».
على شاطئ أحد أحواض البحيرة، كانت هناك مجموعة من الشباك المتراصة متدلية داخل المياه وتعرف بـ«المحابس»، تعود ملكيتها إلى بعض تجار الأسماك فى الإسكندرية، يستخدمونها كمخازن للأسماك قبل بيعها للمحلات، ومن بين هؤلاء الخمسينى رمضان البرلسى، الذى ترك الصيد فى البحيرة منذ 10 أعوام وتفرغ لتجارة الأسماك، بعد أن كان يجمع بين الأمرين عندما كانت البحيرة «بخيرها»، الأمر الذى جعله لا يعتمد على ما تدره البحيرة من أسماك لندرتها، وقال: «لما السمك انقرض من البحيرة اضطرينا نجيب سمك من المزارع ونخزنه هنا فى ميّه البحيرة فى حباسات ونفرقه على محلات إسكندرية».
تاجر: «السمك طفش بسبب صرف الشركات واضطرينا نجيبه من المزارع ونخزنه هنا فى حباسات ونفرقه على محلات إسكندرية.. والبلدى لا يعلى عليه»
نسبة أسماك البحيرة فى تجارة «رمضان» لا تتخطى 2%، على حد قوله، بعد أن أجبره الحال الذى آلت إليه منذ منتصف الثمانينات، وعن هذا الوضع تحدث قائلاً: «وقتها اتحول صرف الشركات على البحيرة وده كان أول سبب لانقراض السمك منها، ومن ساعتها كميات السمك قليلة والميّه بقت قليلة وده خلى السمك مايكبرش»، وأضاف: «السمك البلدى لا يعلى عليه ولو البحيرة تم الاهتمام بيها هتخرج نوعية سمك أفضل بكتير جداً من سمك المزارع».
المهندس الزراعى فوزى عمر، أحد أبناء الصيادين فى البحيرة، لم يعد له رزق منها بعدما أوقفت عائلته الصيد فيها، لديه الكثير من تاريخ البحيرة بحكم اطلاعه على مشاكلها بين الصيادين منذ أعوام طويلة، وقال إن أكبر أزمات البحيرة وأضرت بها خلال عقود طويلة كانت المساحات المستقطعة منها والزحف العمرانى على البحيرة من طرق وكبارى ومصانع «بنيت على أنقاض البحيرة»، وقلصت مساحتها من 100 ألف فدان إلى 15 ألف فدان حالياً فقط.
وتابع «فوزى»: «نحو 80 ألف صياد كانوا ينفقون على عائلاتهم من خير البحيرة، أولادى نفسهم اتربوا منه، وفى العهد الذهبى للبحيرة الناس مكانتش بتعلم عيالها وكانوا شايفين إنهم يعلموهم الصيد أحسن فكان كل واحد يورث المهنة لأولاده».
وأضاف «فوزى»: «حديث الرئيس عبدالفتاح السيسى عن البحيرة ووعوده برجوعها إلى ما كانت عليه سابقاً يعتبر بارقة أمل لكل من يعتمد فى رزقه على البحيرة لأن عمق البحيرة كان 2 متر صافى ميّه الأول، وكان فيه مصارف عمومية فى البحيرة العمق بتاعها 20 متر، دلوقتى من كتر الرواسب والحشائش مفيش 70 سم ميّه صافى ويمكن أقل فى بعض المناطق، لكن كلام الرئيس عن البحيرة فى الفترة الأخيرة بث الأمل فى نفوس الصيادين مرة تانية وفعلاً لو ده تم دلوقتى رغم المشاكل القائمة المسطح المائى هيزيد وإنتاج البحيرة هيرجع تانى يزيد».
من جانبه، قال العربى الزغوى، شيخ صيادين وسكرتير جمعية صيادى بحيرة مريوط، إن جميع الصيادين فى بحيرة مريوط ينتظرون تنفيذ وعود الرئيس بتطهيرها وإعادتها إلى ما كانت عليه سابقاً، مضيفاً: «مفروض فيه كراكات عرفنا إنها هتنزل تطهر البحيرة ومن قبلها حفارات تشيل البوص، بس لسه لحد دلوقتى مفيش حاجة بدأت».
وأوضح أن مساحة البحيرة الحالية لا تزيد على 17 ألف فدان لا يستغل منها سوى 4 آلاف فدان فقط «مسطح مائى» بسبب كثرة البوص ويوجد بها 20 ألف صياد حالياً ما زالوا يعملون فى البحيرة، مضيفاً: «لو اهتموا بيها هتطلع خير كتير للصيادين وللبلد كلها».