لا نحتاج إلى مفردات كثيرة من اللغة العربية لنؤكد مدى التضحية التى قدمها الشهداء.. ولا نحتاج للتأمل طويلاً من أجل التوصل إلى صياغة أدبية مؤثرة عن قيمة ما قدموه وعن دمائهم الزكية الطاهرة التى قدموها.. ولا نحتاج ولا يحتاج أحد إلى إدراك أن شهداءنا عند ربهم يرزقون وفى جنات النعيم والخلد، وأن من يتحمل وجع فراقهم وألم افتقادهم وغيابهم هم أهلهم.. تأتى الأم التى حملت وربت وكبرت وسهرت سنوات طويلة تنظر إلى ابنها وهو يكبر أمامها دقيقة بعد أخرى وساعة بعد ساعة ويوماً بعد يوم وعاماً بعد عام ومدرسة بعد أخرى ومرحلة بعد مرحلة وامتحاناً بعد امتحان ونتيجة بعد نتيجة وشهادة بعد أخرى، لتفرح بـ«حتة» منها انفصلت منها ولم تفارقها ثم تبدأ أحلام الحياة الجديدة.. زواج وأبناء هم أعز الولد وترقيات فى العمل يحمل نجاح ابنها للدنيا كلها، وفجأة تسرق رصاصات الغدر الحلم كله وتسرق معها الدقائق والساعات والأيام والسنوات والطفولة والصبا والشباب واللعب والدموع والماضى والحاضر والمستقبل.. ويقل الألم والوجع عند الجميع لكنه عند الأم.. لا يقل ولن يقل ولا يبقى إلا رحمة الله التى تربط على القلوب فيكون الصبر منه وحده سبحانه وتعالى!
ومع الأم عاش الأب وبطريقته كل ما سبق.. يضاف إليه الامتداد الذى انقطع والاسم الذى لم يعد متصلاً إلا بالخلود فى سطور خالدة كتبت بالدماء الطاهرة فى حب الوطن ودفاعاً عنه.. ومع الأب الزوجة التى تبدلت حياتها كلية فى لحظة مريرة لا يهم معها أنها كانت متوقعة أم لا.. إذ إن تخيل الألم ليس كالألم نفسه مهما بلغت تفاصيل الخيال وحجمه.. أما الأبناء.. فحدث ولا حرج عن السند الذى ضاع والأمان الذى فقد والعائل الذى غاب والصدر الحنون الذى يلعب ويمزح ويصطحبهم للمسجد أو للكنيسة.. للمدرسة وللنادى.. لشراء الهدايا أو لاختيار تورتة عيد الميلاد!
كما أننا لا نحتاج إلى أرقام وإحصائيات للتأكيد أن شهداءنا الأبرار ليسوا من أبناء القاهرة الكبرى وحدها بل تمتد بهم ساحة الشرف والفخر بامتداد أرضنا الطيبة بطول مصر وعرضها.. من رفح إلى مطروح ومن دمياط إلى أسوان ومن البحر الأحمر إلى الوادى الجديد.. والسؤال: هل هناك محافظ واحد قلد الرئيس السيسى وبادر من نفسه بدافع الواجب الوطنى أو قل الإنسانى أو بدافع المسئولية الوظيفية أو بأى دافع آخر باستقبال أسر شهداء محافظته بمكتبه؟! هل فكر أحدهم بالذهاب بنفسه إلى بيت شهيد منهم ضارباً مثلاً جيداً فى تقديره كمحافظ أى محافظ لما قدمت هذه الأم ولما قدم هذا الأب ولما يشعر به هؤلاء الأبناء والأطفال ولما تشعر به هذه الزوجة؟! هل فكر أحدهم بزيارة ابن شهيد منهم فى مدرسته يميزه وسط زملائه ومدرسيه وأساتذته تمييزاً يستحقه ويقدم له مفاجأة تسعده على أى قدر تسعده؟!
الأسئلة السابقة مدخل لسؤال أكبر إلا أننا اخترنا ضرب المثل بأشرف وأطهر مثال.. إنما الملاحظة أيضاً ممتدة إلى مجالات أخرى.. فمثلاً.. ماذا لو أشرف كل محافظ على مؤتمر دورى لشباب المحافظة؟! الرئيس يلتقى شباب مصر دورياً.. الحضور يتم اختيارهم وترشيحهم من مديريات الشباب والأحزاب والجامعات مع متميزين ملهمين لهم حيثية الحضور.. وبالتالى لا يمكن بحال أن يحضر كل شباب مصر فماذا لو التقى المحافظون بشباب محافظاتهم؟ كم شاباً سيشعر أن الدولة اهتمت به وقدرته وأنه محل اهتمامها فى شخص ممثلها وهو المحافظ؟ كنا نأمل لو اهتم كل محافظ بالإشراف المباشر على رعاية الموهوبين والمتميزين فى مختلف مجالاتهم من الاختراعات والابتكارات إلى الموسيقى والغناء إلى كتابة الشعر والقصة.. وكنا نأمل لو اهتم كل محافظ بلقاء الناجحين البارزين فى المشاريع الصغيرة والمتوسطة واستقبالهم وتكريمهم بل وزيارة مشاريعهم ذاتها بمصانعها وورشها الصغيرة وكذلك نأمل أن يهتم كل محافظ بلقاء المتميزات من النساء ممن يقدمن للمجتمع نماذج مضيئة يستحققن معها كل التقدير والاحترام! نماذج من كل هؤلاء يحضرون مؤتمرات الرئيس مع الشباب لكن من المستحيل حضور الجميع فلا المكان يتسع ولا المجال ولا حتى الوقت يكفى، ولا حل إلا بمؤتمرات موازية وجهد موازٍ فى كل الاتجاهات يحتضن الجميع ويؤكد أن «الكل» محل اهتمام الوطن!
نأمل أن يشرف المحافظون ومن خلال مديريات الثقافة والتربية والتعليم والشباب والرياضة والأوقاف، ونحسب أن المحافظين لهم سلطة بدرجة أو بأخرى على كل هذه المديريات، على مسابقات فى القصة والشعر والمقال والرسم واللوحة الفنية والأعمال التشكيلية تدور حول البطولة والفداء ومكانة الشهداء وعن طموحات وأحلام شعبنا وما قدمه فى الماضى وما يجرى على أرضه الآن من أعمال كبيرة ليس أولها قناة السويس الجديدة التى شقها أبناء مصر بعصا العمل والعرق، وليس آخرها التاريخ والجغرافيا اللذين يتغيران فى جبل الجلالة مروراً بمدنهم الجديدة التى تتناثر على خريطة مصر من رفح إلى قنا الجديدة ومن ناصر بأسيوط إلى المنصورة والعلمين الجديدة إلى محطات الكهرباء التى تناثرت حولها على خريطة البلاد من أسوان إلى بنى سويف ومن الحامول إلى العاصمة الجديدة ومن المشروعات التاريخية كمفاعل الضبعة إلى استنهاض الصناعة المصرية وصيانة ممتلكات الشعب المصرى التى تأسست فى الستينات ونجت برعاية الله وإشراف القوات المسلحة من سيماف إلى قها، ومن كيما إلى ترسانة الإسكندرية، ومن نيازا للمصابيح إلى إدفينا دمياط، وغيرها مما أضيف إليها من النصر بالفيوم وأبورواش إلى بتروكيماويات الإسكندرية!
نحتاج انتفاضة تصهر كل المصريين فى أعمال جماعية.. هو الطريق الوحيد الذى يعوض غياب الإعلام الحقيقى والذى يشكو منه الرئيس كل مرة يلتقى فيها المصريين ويحشدهم مباشرة فى مواجهة إعلام الشر!
المحافظون ظل الرئيس فى محافظات مصر وعليهم تخفيف العبء عنه رغم أن سيادته لم يشتك وتحمل مسئولياتهم بالشكل الرشيد والصحيح.
اللهم بلغت اللهم فاشهد.