يقولون إن معظم النار من مستصغر الشرر.. تلك هى الحقيقة الدامغة التى يرفض البعض الاعتراف بها لأسباب لا أعلمها.. لكنها تظل حقيقة ثابتة نعانى منها، رغماً عن أنف الجميع!!
الأمر ليس جديداً.. إنها المشكلة الموسمية التى تظهر كل عام فى وقت تسجيل الأطباء الجدد فى وزارة الصحة للتكليف تمهيداً لتوزيعهم على الوحدات الصحية الريفية.. والتى تفتح الباب دوماً -وكل عام- للكثير من الاعتراضات المكتومة بين شباب الأطباء على الكثير من أحوالهم.. فلا يجدون سبيلاً لتلك الاعتراضات سوى رفض التسجيل بالوزارة كوسيلة للضغط عليها.. علهم يحظون بتحقيق تلك الطلبات التى يرونها مشروعة بل وضرورية لهم..!
لم يختلف الأمر كثيراً هذا العام.. فقد كان انتشار خبر عدم ضم سنة الامتياز لسنوات الخبرة للطبيب طبقاً لقانون الخدمة المدنية الجديد هو الشرارة التى فجرت الاعتراض من شباب الأطباء هذه المرة.. والباعث الأساسى لدعوات الإضراب عن التسجيل للتكليف هذا العام.. والذى تمحورت طلباته حول ضم سنة الامتياز كما كان يحدث فى الأعوام السابقة.. فضلاً عن بعض المطالبات الأخرى الخاصة بتقليل الاغتراب للطبيبات الجدد..!
والواقع أنه إذا كنا ننتقد ردود فعل الوزارة فى كثير من المواقف.. إلا أننى أعتقد أن موقف الوزارة هذه المرة ينبغى تثمينه وبشدة.. فقد تحركت الوزارة سريعاً لاحتواء الأطباء الغاضبين.. والتقت الوزيرة شخصياً بممثلين للدفعة الجديدة.. ذلك اللقاء الذى أكدت خلاله أن سنة الامتياز سيتم ضمها اعتباراً من تاريخ تكليفهم.. والذى استغلته الوزيرة أيضاً لعرض نظام جديد للتكليف يقضى باختيار التخصص للطبيب من اليوم الأول للتكليف كما هو الحال بالطبيب المقيم بالجامعات.. كما كان تحرك الوزارة لاستطلاع الرأى القانونى الذى قضى بأحقية الأطباء فى ضم تلك السنة الحائرة لسنوات الخدمة، والذى تبعه مخاطبة التنظيم والإدارة للتنفيذ خير تصرف قامت به الوزارة.. وأفضل ما يمكن فعله للقضاء على الشائعات ومنع الصيد فى الماء العكر..!
المشكلة هذه المرة -وإن تم حلها بشكل جيد من الوزارة- ربما تفتح الباب لمناقشة أحوال عام الامتياز بالكامل.. ذلك العام «اللقيط» الذى لا يجد الطبيب حديث التخرج نفسه خلاله تابعاً لأى جهة.. فلا هو طالب جامعى ولا هو خريج يحق له ممارسة المهنة.. حتى إنه -وبالرغم من كونه طبيباً- لا يمتلك أى غطاء تأمينى يوفر له علاجاً أو ما شابه.. أعرف طبيب امتياز توقف عن أخذ علاج مزمن لمرضه النادر بعد أن أنهى دراسته الجامعية لأنه لا يملك غطاء تأمينياً خلال هذا العام.. ولا يستطيع شراءه على نفقته الخاصة..!
فإذا كان تحرك الوزارة هذه المرة محموداً.. فإننى ربما أطمع أن يستمر فى نفس الاتجاه.. وأن يتم عقد ورش عمل سريعة بواسطة وزارة الصحة وبالتعاون مع المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية ووزارة التعليم العالى لتقنين أوضاع تلك السنة.. خاصة أن نظام التعليم الطبى الجديد قد جعلها سنتين وليست عاماً واحداً.. لتتم مناقشة السبل التى تضمن حق الطبيب خلالها فى التدريب والتعليم.. كما تضمن له حقه فى التأمين الصحى والمقابل المادى فى نفس الوقت..!
ينبغى أن نستغل الروح الجيدة التى أظهرتها قيادات الوزارة للقضاء على كل المشاكل المكتومة التى لا تظهر إلا فى وقت تسجيل التكليف فى كل عام.. والتى تؤدى إلى ذلك «الإضراب الموسمى» الذى يتم حله كل عام بمسكنات غير فعالة..!!