كتبت وغيرى مئات المقالات حول كارثة البرامج الطبية مدفوعة الأجر فى القنوات الفضائية، التى تستغل أمراض المواطنين فى النصب عليهم وتكوين ثروات هائلة، وهناك نماذج كثيرة لأطباء فاشلين وإعلاميين مغمورين أصبحوا أثرياء بعد دخولهم بزنس البرامج الطبية التى تتسابق عليها كل الفضائيات.
من ثلاثة أشهر تقريباً المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام اتخذ قرارات مهمة بشأن ضوابط البرامج الطبية تضمنت عدم قبول برامج مهداة أو بنظام تأجير الوقت أو الإنتاج المشترك إلا بعد العرض على المجلس، وعدم الإعلان عن مستشفيات أو مراكز علاجية إلا بعد التأكد من تسجيلها بوزارة الصحة والسماح لها بالعمل، وعدم الإعلان عن أدوية إلا بعد الحصول على موافقة إدارة الصيدلة بوزارة الصحة.
المهلة التى منحها المجلس للفضائيات لتوفيق أوضاعها انتهت، ولكنها ما زالت تمارس نصبها على المشاهدين، وضحاياها كثيرون.
بل وصل الأمر إلى انتشار إعلانات عن أخصائيين روحانيين لعلاج السحر والشعوذة وجلب الرزق والحبيب والصديق ورد المطلقة، وبيع الأدوية والأعشاب التى تعالج العجز الجنسى وكل الأمراض وتوصيلها للمنازل مجاناً. حتى الطباخون أصبحوا أطباء ويعالجون المواطنين على الهواء مباشرة، وكل من يملك أموالاً يشترى وقتاً فى التليفزيون ويُفتى فى الطب والصحة حتى لو كان حاصلاً على دبلوم صناعة. إنها فوضى غير مسبوقة، ونماذج النصب الطبى كثيرة جداً لا يتسع المقال لذكرها، فحينما كان لدينا إعلام محترم كانت هناك قواعد وشروط قاسية لظهور الأطباء على الشاشة، منها مثلاً أن يكون الطبيب أستاذاً أو استشارياً، وكانت لجنة الصحة فى اتحاد الإذاعة والتليفزيون يرأسها وزير الصحة أو من ينوبه، ووظيفتها مراقبة البرامج الطبية ووضع قواعد صارمة لضيوفها، أما اليوم فأصبحت صحة المواطن حقل تجارب لمن لا مهنة له من مُدعى الطب والإعلام.
البرامج الطبية مدفوعة الأجر تتاجر بآلام المواطنين وتستغل حاجتهم للشفاء من الأمراض الخطيرة، خاصة السرطانية، وكذلك لهفتهم على الإنجاب والتخسيس.. وتسببت فى وفيات وكوارث كثيرة.
والطبيب الذى يظهر على الشاشة وينصب على الناس ويكتب أرقام تليفوناته وعنوان عيادته مشهد موجود فى مصر فقط، وللأسف الضحية هو الشعب الذى يعانى من الفقر والجهل والمرض وما زال يصدق كلام هؤلاء النصابين فى الفضائيات باعتبارها مصدراً للثقة.
البرامج الطبية موجودة فى كل الدول، لكنها بدون أجر وتخضع للرقابة الصارمة ويقدّمها كبار المتخصصين، وهدفها الثقافة الطبية التى تسهم فى الوقاية من الأمراض، وبالتالى تخفيض فاتورة العلاج والحفاظ على صحة المواطنين.
ضيوف البرامج الطبية مدفوعة الأجر معظمهم عديمو الكفاءة والأخلاق، لأنهم يدفعون أموالاً مقابل الظهور الإعلامى، ثم يتقاضون أضعافها من المواطنين، مستغلين حاجتهم للعلاج.
أما أطباء مصر المحترمون، وهم كُثر، فلا يظهرون فى مثل هذه البرامج ولا يرضون لأنفسهم المشاركة فى هذه المهازل، لأن سمعتهم الطبية أفضل دعاية لهم.
أتمنى من المجلس الأعلى للإعلام عدم التهاون مع أى قناة لا تلتزم بالضوابط التى وضعها، وأن يمنع تماماً البرامج مدفوعة الأجر والإعلان عن الأدوية فى الفضائيات لأن الفوضى التى تشهدها مصر فى هذا المجال لا يُسمح بها حتى فى الدول المتخلفة، وصحة المواطنين ليست حقل تجارب، كما أن علاج آثار كوارث النصب الطبى الفضائى يكلف الدولة أموالاً كثيرة.. والله الموفق والمستعان.