"رسائل الجندي بن إلى جلاديس".. حب ينتصر على رصاص وقنابل الحرب العالمية
إيلين أندرسون لـ"الوطن": اكتشفت الرسائل بالصدفة بعد 70 عاما من كتابته
بن أندرسون وزوجته
بينما كانت المقاتلات الألمانية تدك تحصينات الحلفاء على الحدود الفرنسية - البلجيكية، والقوات الأمريكية والبريطانية تحاصران قوات المحور في جنوب القارة العجوز، ووسط دوي أصوات المدافع الممتزجة بصافرات الإنذار في شوارع أوروبا، يخرج الجندي الأمريكي بن أندرسون قلمه الذي اختلط حبره على أوراق دفتره التي لا يفارقه طيلة المعارك؛ ليكتب رسالة لجلاديس، التي تزوجها قبل عدة أشهر من إرساله في أربعينيات القرن الماضي للخطوط الأمامية لجبهة القتال في فرنسا وألمانيا.
"بعد وفاة والدتي وجدت بالصدفة هذه الرسائل التي احتفظت بها طوال 70 عاما تقريبا في صندوق خشبي صغير صنعه والدها، وكنت أعلم أن تلك الرسائل ستحتوي على قصص مثيرة، لكن لم يكن لدي أي فكرة عن مقدار المعلومات التي سأجدها في كل سطر بداخلها"، بحسب حديث الكاتبة الأمريكية إيلين أندرسون، مؤلفة كتاب "رسائل إلى زوجتي.. قصة حب في الحرب العالمية الثانية"، لـ"الوطن".
بعد قراءة عميقة للرسائل، التقطت إيلين الرسالة الأولى المختومة بتاريخ 3 يونيو 1942، حيث جلست على الحاسب الآلى الخاص بها وبدأت في الكتابة؛ ليستغرق الأمر نحو 7 أشهر لتعد مادة الكتاب، الذي أصبح فيما بعد ضمن الأكثر مبيعًا في الولايات المتحدة الأمريكية؛ لتعلم الكثير عن والدها خلال فترة الحرب العالمية الثانية وأحداث كثيرة لم تكن تتوقعها، وأرادت بهذا الكتاب أن تتعلم من الأجيال القادمة.
على الرغم من عدم وصول عمر هذه الرسائل إلى 100 عام بعد، حيث يرجع تاريخها من عام 1942 إلى عام 1946، لكنها تمثل صورة حقيقية رائعة للحياة اليومية في تلك الفترة، وأثناء قراءة الرسائل يجد القارئ نفسه حاسدا لمؤلف الكتاب ويتمنى أن يكون لعائلته كنز مماثل من الذكريات، عبر أكثر من 200 رسالة أبقتها والدتها أمي الأمر سراً طوال هذه السنوات".
والدي لم يفكر سوى في الحرب ووالدتي تزوجها قبل المعارك بأشهر قليلة
ترغب إيلين في تحويل الكتاب إلى فيلم وثائقي أو سيناريو لفيلم مثل التي تنتج في هوليوود عن فترة الحرب العالمية الثانية، حيث سمعت من عدد لا بأس به من الناس أن لديهم رسائل من الحرب العالمية الثانية، لذلك تعتقد أنه يمكن أن تكون هناك العديد من الكتب في هذا الإطار، فالفكرة تتلخص في حقيقة مثيرة للاهتمام تعلمتها الكاتبة الأمريكية عن الحرب العالمية الثانية، وهي عندما شُحن الرجال إلى منازلهم عبر البوارج الحربية أو الطائرات، أمرتهم القيادة العليا للجيش الأمريكي بعدم مناقشة أي شيء عن الحرب التي خاضوها في القارة الأوروبية في أثناء محاربة النازية بألمانيا والفاشية في إيطاليا.
رسائل الجندي الأمريكي تخلو من أي خيال، ولا يوجد فيها مسعى بطولة؛ لأن رسائل أندرسون كانت من رجل يكتب خطابات إلى أحد أفراد أسرته على مدى 4 سنوات، لكنها بعد هذه العقود الطويلة كانت كفيلة بأن تحمل في طياتها رومانسية حكيمة للكلمات التي تتحدث عن نفسها، فمن خلالها نشهد فترة الخطوبة وتطور العلاقة بين شخصين من أوائل إلى منتصف حقبة الأربعينيات من القرن الـ20 ما يجعلنا نلقي نظرة أصلية على ما كان شكل الحياة حقا في ذلك الوقت.
الزوجة أيضا كانت تكتب الرسائل لزوجها الحبيب بن أندرسون، وترفق بها صورا فوتوغرافية له، فهي تعلم جيدا أنه ليس مجرد جندي أمريكي يتدرب في المعسكرات بعد عامين من اندلاع الحرب، لكنه كان من ضمن أبناء العم سام الذين أرسلوا للانضمام إلى القتال في أوروبا، وتعلم جيدا كيف كانت الأمور بالنسبة له هناك، فالعاطفة هي التي تسيطر بين الزوجين، ومنحنى الحب الذي كانا يتمتعان به يصعد دائما.
جلاديس كتبت النكات لزوجها للتخفيف عنه
بن أندرسون كان يكتب رسائله بشكل جيد لدرجة أن جلاديس كتبت رسائل طويلة ومفصلة في بدايات كل منها هذه الجملة "لا تتوقع مني خطابا طويلا أو حرفا يقارن بك، لأنني لست كاتبة جيدة"، لكنها اعتادت أن تشمل رسائلها الخاصة قليلا من النكات حتى تهون على زوجها ما يحدث على الجبهة.
على الجانب الآخر، فإن كل خطوة قام بها الجندي الأمريكي بن وكل أنفاسه كان للزوجته جلاديس وللحرب التي يخوضها، وكان لديه إيمان بأنه سيعود إليها، حيث إنه كان يعلم بطريقة ما أن الله سيبقيه آمنا ويعيده إلى المنزل.
على الرغم من انتهاء الخطابات بشكل مفاجئ إلى حد ما، استغرقت إيلين وقتا لكتابة بضع فقرات إضافية في نهاية الكتاب توضح بالتفصيل ما حدث لوالديها في النهاية وإعطاء قطعة كاملة ليكون إحساسًا جيدًا في النهاية، إنها كانت لمسة لطيفة منها، حيث تقول: "كنت سأشعر القارئ بخيبة أمل شديدة لو أن قصة بن أندرسون وجلادس قد انتهت للتو بهذه الرسالة الأخيرة".
وتختتم إيلين حديثها لـ"الوطن": "كان نشري مفيدا جدا ورائعا للعمل معه، فعائلتي وأصدقائي ممتنون لهذا الكتاب، ويبدو أن والدتي جلاديس كواترسكي، احتفظت بخطاباتها لي لأقرأها يوم ما، رغم أنه كان سرا طيلة حياتها، لقد أعجبني، هذا ملخص الرسائل التي كتبها أمي وأبي لبعضهما خلال الحرب العالمية الثانية، وكانت بمثابة صندوق الكنز".