بعض العراقيين البسطاء لجأوا إلى عدد من الوصفات الشعبية والأعشاب التى روَّج لها مجموعة من الباعة، وذكروا أن بإمكانها مواجهة «فيروس كورونا». القصص التى نقلتها بعض وسائل الإعلام حول هذا الموضوع تتشابه مع المشهد الذى رسمه المبدع وحيد حامد فى فيلم «النوم فى العسل». ففى مواجهة جائحة «السكتة إياها» التى ضربت البلاد والعباد، استغل بعض التجار الشطار الأمر وأعدوا خلطة قرطسوها فى قراطيس وباعوها للمواطن وروجوا أن فيها الشفاء. انتعشت أيضاً ظاهرة العودة إلى الدجالين والاستعانة بهم لكشف الكرب.
البسطاء الذين يلجأون إلى هذه الوسائل لا يجهلون أن لكل داء دواء، وأن مواجهة المرض تستلزم الرعاية الصحية، لكنه العجز أمام فيروس ابتلى به الله تعالى البشر، ولا يزال العلماء يواصلون الليل بالنهار من أجل إيجاد علاج أو مَصل له، ولم تسفر الجهود حتى الآن عن الوصول إلى حل، وما زال الفيروس يحصد الأرواح، ويتمدد من دولة إلى أخرى. الإنسان ضعيف، كذلك خلقه الله، وعندما يغلبه ضعفه لا تتحدث عن عقل أو منطق وراء أفعاله وسلوكياته، فقلة الحيلة تدفع إلى التشبث بأية حيلة، والعجز أمام ما يهدد الحياة يدفع المرء إلى التشبث بأية شىء، حتى ولو كان قشة عطار أو صرخة دجال. ولدينا -نحن المصريين- مثل يلخص هذه الفكرة يقول: «الغرقان يتعلق بقشة».
السفه كل السفه يتوافر بسخاء لدى هؤلاء الذين يتاجرون بخوف الناس وإحساسهم بالذعر من مرض أو داء، ويستغلون الموقف أسوأ استغلال من أجل تحقيق أرباح وحصد أموال، وكأنهم فى منأى عما يخاف الناس منه!. هذا الصنف من البشر موجود فى كل الأوقات، ولا ترتبط أرباحه بظرف طارئ كذلك الظرف المرتبط بظهور فيروس كورونا، بل تتواصل عبر الأزمان والأمكنة بطريقة عجيبة. وليس أدل على ذلك من تلك الإعلانات التى تروج على قنوات «بير السلم» وتتحدث عن أم فلان وأبو علان الذى يفك العمل ويحل الربط ويجلب الغائب ويزوج العانس ويوفر العمل للعاطل وغير ذلك من ترهات. بل لقد امتد الأمر إلى عالم الطب والدواء، وما أكثر الإعلانات التى تصدع الرؤوس عن شراب يعالج السمنة وأقراص تعالج خشونة المفاصل و«مش عارف إيه تانى». هذه الإعلانات وغيرها هى أكبر شاهد على أن النصابين كثر والحمقى أكثر.
كما ذكرت لك أن الإنسان وقت العجز قد يلجأ إلى ما يتناقض مع العقل والمنطق، ذلك أمر مفهوم فى إطار ظرف طارئ، ولكن أن تكون سلوكيات الإنسان خالية من أى عقل أو منطق فى كل الأوقات فذلك هو الخطر، لأن جانباً لا بأس به من الحياة عندئذ يصبح مبنياً على الخرافة. لقد قطع الإنسان شوطاً بعيداً فى مضمار العلم، لكن ذلك لا يمنع من ظهور تحديات -ما بين الحين والآخر- يحتار فيها العلم والعلماء، لكن الحيرة دائماً ما تكون مؤقتة، فسرعان ما يجد الإنسان حلاً لكل إشكال أو مشكلة جديدة يواجهها. تلك هى رحلة الإنسان فى الحياة حتى يغيب عن الحياة.