حالة الهلع التى اجتاحت العالم من ذلك الفيروس المسمى «كورونا المستجد» لا يمكن النظر إليها فقط من الزاوية الصحية رغم أهميتها، ورغم قسوتها، ورغم سقوط ضحايا كل يوم، ورغم انتشار الفيروس فى أكثر من أربعين دولة حتى الآن.
البعض يرى أن الفيروس يحمل الجنسية الأمريكية، بل إن المغالين يعتبرونه واحداً من فرقة المارينز البيولوجى فى سلاح المختبرات العسكرية للبنتاجون، وأن واشنطن تسعى لمعاقبة الصين أو فرملة قطار السيطرة على اقتصاد العالم، أو ضرب قلب الكون النابض بالحياة فى بكين.
والبعض الآخر يصر على أن ما يحدث تطور طبيعى جرى ويجرى وسيجرى طالما الحياة تستظل بأشعة الشمس، وأنه لن يكون آخر فيروس يتحور، وأن الكون يخضع لسنن حاكمة لا تقبل التغيير أو التوقف.
الفريق الأول يدلل على أن واشنطن سعت بقوة أن تخلق بذور منافسين محتملين للصين، عن طريق دعم اقتصاديات دول مجاورة للصين تحظى بمميزات صينية خلقت من بكين ذلك المارد الذى لن يوقفه شىء، سوى قنبلة نووية عظيمة، أو فيروس متحور مجهول.
فى حين أن الفريق الثانى يرى أن التاريخ البشرى يزخر بصفحات عديدة تلعب الفيروسات والأمراض الوبائية دور البطل الأوحد، فى لجم الزيادة السكانية، أو فى تحجيم التغول البشرى، حتى إن الصين ذاتها ما زال «سارس» يسكن ذاكرة أجيالها القريبة، ويسكن الطاعون قلب التاريخ العالمى، ناهيك عن الأمثلة الواردة فى الكتب السماوية الثلاثة والتى فسرت وفصلت أنواعاً عدة من غضب الطبيعة الذى راح ضحيته ملايين ذهبوا فى مرض عجز الطب المعاصر عن إيجاد علاج له أو دواء.
وبغض النظر عن كون تلك الحالة مختلقة ومصطنعة أو عفوية وطبيعية، هناك زاوية أخرى على العالم أن ينظر إليها ويتمعن فيها، بدلاً من البكاء على الدم المسكوب كل يوم.
فرغم الأنباء التى تحاول الصين بثها عن قرب التوصل لعلاج، أو مقولات من نوع أن انتشار العدوى تباطأ، أو أن نسبة الوفيات تتراجع، أو أن إمكانيات الصين مسخرة للقضاء على هذا الفيروس، فإن تلك الأنباء والمقولات قبل أن تبرد، تفشى المرض فى دول ليست من الصين ببعيدة، لكنها ليست تلك الدول التى تنعم بعناية ودعم وشراكة أمريكية، أو باستثمارات الشركات متعددة الجنسيات، بل فى دول تحتل أعلى قائمة العداء الأمريكى.
ليس مهماً أن يخرج الرئيس الصينى أمام الكاميرات -حتى لو متأخراً- ليحاول بث الطمأنينة فى قلوب من وثقوا فى المارد الصينى، واعتبروه نموذجاً، وحليفاً، أو مدوا حبال الوصال معه لتوثيق المصالح المشتركة، المهم أن الفيروس سيضرب مجدداً، حتى يشعر المستفيد بأنه قد حصل على مبتغاه.
فقد أوشكت الصين أن تحتل المركز الأول عالمياً، متفوقة على الولايات المتحدة الأمريكية، ولم يعد أمامها سوى بضع سنوات، لتمتلك اقتصاداً كبيراً وقوياً سيستحوذ على 20% من الاقتصاد العالمى، وهو ما لن تقبله الشركات الكبرى، حتى لو كانت ترتبط مع بكين بالكثير من المصالح المشتركة، لكنها مصالح ليس دائمة أو ليست آمنة.
بعد أشهر قليلة سيكتشف العالم أنه أمام الخطر الحقيقى، أمام عدم وجود بديل جاهز يحمل مسئولية الاعتماد العالمى على الاقتصاد الصينى، حتى أمريكا نفسها والمتهمة فى الكثير من الأحيان بأنها تقف خلف هذا الوباء، لن تستطيع أن تملأ الفراغ الذى سيخلف سقوط الصين.
لكن الولايات المتحدة لا ترى العالم من خلال تلك العين، فهى تطأطئ رأسها لتصب جل تركيزها على قدميها، أنا ومن بعدى الطوفان، أو أنا ومن بعدى كورونا.
الخسائر التى لم تعلن بعد، والتأثيرات التى لم تتشكل بعد، والسلبيات التى لم تحص بعد، ستكون ضربة قاسية وقاصمة للعالم الذى لم يصل بعد لمرحلة الفطام من الثدى الصينى العظيم.
هناك شركات كبرى أُجبرت قبل سنوات على المواءمة بين الشراكة مع الصين والتعاون مع اقتصاديات وليدة، مثل المكسيك والفلبين وإندونيسيا، هذه الشركات باتت تضمن نسبة خسائر أقل بكثير لو سقط المارد، وسيكون بمقدورها وحدها أن تفيق من تأثير ما بعد الصدمة.
هل من الممكن أن تكون مصر جزءاً من البديل؟ قد تكون الإجابة غير مكتملة، أو غير واضحة، لكن القاهرة لديها القدرة على تحقيق المستحيل، أو على الأقل هذا ما أعتقده.