مجموعة من الفيديوهات يتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعى تؤكد أن هذا الشعب بخير. وأنه كان ولم يزل رمانة الميزان فى تاريخ هذا البلد. أحدها يعرض لمجموعة من الشباب يقومون بتعقيم الشوارع والمحال التجارية، ويعدون زجاجات مطهرات لتوزيعها مجاناً على أهالى الأحياء، وآخرون يجهزون شنطاً تحتشد بسلع متنوعة تكفى المستهلك مدة 14 يوماً، ويقومون بتوزيعها بالمجان على المحتاجين، وفيديو آخر لشخص يحمل مكبر صوت على ظهر توك توك ينصح الناس بالمكوث فى البيوت حفاظاً على صحتهم وصحة أبنائهم.
هذا الشعب «ابن حضارة»، ما أسرع ما تكشف المحن عن معدنه الأصيل. اتهم البعض المصريين بالتزاحم على محال بيع السلع الاستهلاكية من أجل التخزين لأيام الحظر. المشاهدات تقول إن التزاحم لم يحدث إلا فى حدود ضيقة، مقارنة بما نقلته تقارير إعلامية حول ما حدث لدى شعوب دول أخرى توصف بالمتقدمة. فى الولايات المتحدة الأمريكية تزاحم الأمريكيون أمام محلات بيع الأسلحة والذخيرة لشراء ما يلزم والاستعداد لأى حالة فوضى أو انفلات نتيجة تفشى الوباء وانهيار النظام الصحى أو التموينى وتحول الناس إلى التحرش ببعضهم البعض.
هذا الشعب أيضاً يتمتع مسلموه ومسيحيوه بإيمان عميق بالله، لذا تجدهم أقل هلعاً أو خوفاً من غيرهم من الشعوب فى مواجهة أى تهديد. إنه يحترم فكرة الموت ويعلم أنه مصير كل حى ومآل كل إنسان، لكنه يعى أن احترام الموت لا يعنى الاستسلام له، فإيمانه النقى يجعله محباً للحياة ومدافعاً عنها إلى أقصى درجة، وصبوراً عند مواجهة الشدائد لأنه يؤمن بأن كل ما له أول لا بد أن يكون له آخر. إيمان المصريين إيجابى يرحب بالمواجهة، وهو يواجه حباً فى الحياة ولا يتمنى الموت، لأنه يعلم أن تمنى الموت ليس من الإيمان.
طيلة تاريخه وهذا الشعب يثبت المرة بعد الأخرى أنه قادر على تحمل المسئولية، لكن مشكلته أن من تولوا أمره لا يمنحونه الثقة الواجبة، ولا يفسحون له المجال للمشاركة وإثبات ذاته وقدراته. تلك آفة تاريخية عانينا منها عبر مراحل مختلفة، أدت فى أوقات إلى إفقاد هذا الشعب ثقته فى نفسه، وغذّت بداخله إحساساً مقيتاً بجلد الذات، وجعلته فى مواجهة العديد من المشكلات والأزمات مجرد شماعة يعلق عليها الفاشلون فشلهم. هذا الشعب يحتاج فقط إلى من يتواصل معه ويشرح له ويبين له وجه الخطر والمطلوب منه فى مواجهته، ثم يترك الباقى على الله ثم عليه. ويخطئ البعض حين يتعامل مع المصريين بمنطق الأمر والنهى، لأن هذا الأسلوب لا يتسق مع طبيعة هذا الشعب الذى صقلته التجربة وحنكته السنون، لذا يظل الفهم هو الطريق الأقصر إلى إقناعه، والأدعى إلى مشاركته فى مواجهة أى شدة أو محنة. سيعبر هذا الشعب الطيب محنة «كورونا» كما عبر غيرها. وظنى أنه سيتعلم منها الكثير، وستضيف إليه على مستوى التجربة، وسيخرج منها -شأنه شأن غيره من شعوب العالم- غير ما دخلها.