لمس المشير السيسى، المرشح لرئاسة الجمهورية، وتراً شديد الأهمية، وبالغ الحساسية، وهو التطور السلبى الذى طرأ على المجتمع فى مصر، مع الخطاب «الدينى» الوافد فى الأربعين سنة الماضية، والذى بدلاً من تعميق وحدة النسيج الوطنى، بين كل الأطياف والعقائد، سعى إلى تمزيق هذا النسيج وبث الفرقة والاحتقان ليس بين المسلم والمسيحى فحسب، بل حتى بين المسلم والمسلم.. بدا هذا الخطاب إقصائياً إلى درجة كانت تهدد بتفكيك الدولة التى عشنا فى كنفها آلاف السنين وواجهنا دوماً كل التحديات، والمخططات، والمؤامرات بسلاح وحدتنا الذى تحطمت جميعها على صخرته.. غير أن مواجهة العدو الخارجى، كانت على ما يبدو، أخف وطأة من عدو الداخل، وقد حكى «السيسى» بهذه المناسبة، تجربته، هو، ابن حى الجمالية العريق، حيث كان الجميع يعيشون فى سلام، آمنين، لا يستدعى أحد ديانة الآخر وما إذا كان مسلماً أو قبطياً.. وبطبيعة الحال، عاشت الأجيال السابقة، على جيل السيسى، مثل جيلى، الحالة ذاتها.. وكنت قد رويت فى كتابات سابقة، كيف «احتضنت» مساحة فصل دراسى فى أربعينات القرن الماضى، لا تتعدى الثلاثين متراً مربعاً، ثلاث فتيات، يحملن اسم «فريدة» تيمناً بملكة مصر آنذاك، وذات الشعبية الكبيرة، الملكة فريدة.. وإذا كان هذا الأمر طبيعياً ولا يلفت انتباهاً خاصاً، فإن ما يستوجب الإشارة إليه والتوقف عنده، لدلالته الرائعة، هو أن إحدى «الفريدات» كانت مسلمة، والثانية قبطية، والثالثة يهودية..!! وكنت أحكى بفخر هذه الواقعة من حياتى، للإعلاميين فى فرنسا، وأضيف أن سندريلا السينما المصرية فى ذلك الزمان، كانت ليلى مراد، التى توجتها الجماهير المصرية على عرش الفيلم الاستعراضى، الغنائى، قبل اعتناقها الإسلام بسنوات عديدة! هكذا كان وطننا، قبل أن يسطو التيار المعادى لمفهوم «المواطنة، على التعليم، بكافة مراحله، و«تشكيل العقول والوجدان فوق المخطط المطلوب تنفيذه، وقبل أن يستحوذ من صُنفوا بـ«الدعاة الجدد» على منابر معظم المساجد والزوايا، بخطاب «مكمل» لما تلقاه المواطنون، فى المؤسسات التعليمية، من سن الحضانة إلى الطفولة، فالشباب وحتى البعض فى سن الشيخوخة.، وبعد تمهيد الأرض بزرع كل البذور السرطانية، فى غيبة الدولة وانسحابها «الاختيارى» وخفوت صوت الأزهر الشريف وعلمائه.. وانتقلت «الحرب» بالتالى إلى داخلنا، لأن «عدونا» بات من نفس جنسنا ولوننا وجيناتنا، المعروفة منذ عصور سحيقة.. وصلنا إلى حد تأليب المسلم على المسلم، بل وخرج علينا من «يكفر» المصرى المسلم، تهنئة أخيه المصرى القبطى بأعياده!!ولا أعرف أين عاش هؤلاء، حيث كنا وما زلنا، فى مصر، نتبادل التهانى وأطباق الحلوى فى المناسبات الدينية.. وفى سياق هذا النهج، الذى لم نعشه قبل طلتهم الميمونة، تدفقت الفتاوى بتحليل حرق الكنائس.. ومن ثم انتظروا «استنجاد» المسيحيين بالخارج، وقد خاب مسعاهم الكريه، لكن، وقد أثار دهشتى، أن «الوطن» كانت الصحيفة الوحيدة من بين الصحف الكبرى، على حد علمى، التى أوردت منذ أيام نبأ رفض قداسة البابا تواضروس، بابا الكنيسة المصرية الأرثوذكسية، رفضاً باتاً «تقرير اضطهاد الأقباط» الأمريكى.!! فاللعبة باتت مكشوفة، إذ أين كانت الولايات المتحدة الأمريكية، إبان حرق حلفائها لعشرات الكنائس، وكذلك وهم يعيثون إرهاباً بقتل جنودنا من الجيش والشرطة، وحرق جامعاتنا وترويع الطلبة واقتحام أقسام الشرطة وقطع الطرق، لا سيما أن قادة الإخوان، بمن فيهم الرجل الذى كان رئيساً، كانوا يهددون بحرق مصر!! وكما تقول القاعدة القانونية: «الاعتراف سيد الأدلة».. والحقيقة أن كلمات السيسى عن حالنا، وما آلت إليه الأوضاع فى العقود الأخيرة، يشكل فى رأيى وعياً مسئولاً بضرورة أن تصبح مصر التى نحلم بها، أقوى وأجمل من تلك التى، عاش كثيرون منا فيها، وما لفت نظرى، إعلان حزب النور تأييده لترشح السيسى للرئاسة!!!ولا أناقش هنا مواقف هذا الحزب ومناوراته، ولا «وزنه» فى المشهد السياسى، ولكن «إعلانه» هذا يطرح سؤالاً ملحاً: هل يقبل حزب النور وقياداته برؤية الرجل، ومعه الأغلبية الساحقة من المواطنين، باستعادة مصر التى «عاشها» فى سن الطفولة والشباب؟ حيث لم نكن نعرف، ولم يخطر لنا على بال أن نسأل، كيف يخاطب أى منا الخالق عز وجل، هل بالآية الكريمة: «بسم الله الرحمن الرحيم»، أم بـ«أبانا الذى فى السموات»، ولا كانت الدماء المصرية التى روت سيناء فى معارك الدفاع عن الوطن وفى ساحات الشرف، مختلفة «الألوان!!».. كنا، قبل غزو هذا الفكر الدخيل، نعيش متآخين، مؤمنين إيماناً راسخاً، بأن «الدين لله، والوطن للجميع».. ويقينى، أن هذا الوطن عائد بإذن الله، فقد كانت «استعادة» مصر الوطن، محور ثورة يونيو.