منذ ما يقرب من الشهر ونصف قررت الحكومة إلغاء حظر التجول مع إلزام الأفراد والمؤسسات باتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة للحماية من الإصابة أو نشر العدوى بفيروس كورونا. مع النزول الحر للناس إلى الشوارع التزم كثيرون بالإجراءات، فكست الكمامات الوجوه، وانتفخت الجيوب بالمطهرات، واصطف الداخلون إلى أى مؤسسة فى طوابير تراعى قواعد التباعد الاجتماعى لقياس درجة الحرارة، وتطبيق قواعد التعقيم. كان الجميع يتعاملون بمنطق «شوية وتعدى الهوجة». وقد كان!.
كل يوم كان يمر كان الناس يتململون من الإجراءات، ويتحللون منها شيئاً فشيئاً. وبعد أن كان الناس يسلقون من لا يرتدى الكمامة بألسنة حداد، أصبح من يواصل ارتداءها موضعاً للسخرية، وعادت النغمة القديمة إلى التردد من جديد، النغمة التى تقول: «لا كورونا تهم ولا فيروس يلم»، حتى المؤسسات بدأت هى الأخرى فى التحلل من الإجراءات الخاصة بفحص الداخلين إليها شيئاً فشيئاً.
الناس بطبيعتها لا تحب القيود، وتؤثر الانطلاق الحر فى الحياة، لكن التسرع فى التحرر من الإجراءات الاحترازية يبدو أمراً غير منطقى بالمرة إذا أخذنا فى الاعتبار أرقام الإصابات حول العالم والتى تجاوز عدادها رقم 20 مليون إصابة و750 ألف وفاة. ولماذا نذهب بعيداً؟ الأرقام المعلنة فى مصر تشير إلى ارتفاع معدل الإصابات خلال الأيام الأخيرة، وتدوينات التعازى على مواقع التواصل عادت من جديد. ومؤخراً أعلن عن عدد من الإصابات بين اللاعبين والإداريين بالنادى المصرى.
ليس من الحكمة أن يبالغ البعض فى التخفف من الإجراءات الاحترازية فى وقت تصالح فيه العالم على وجود موجة ثانية من الفيروس، وتأكيد منظمة الصحة أن الفيروس لا يرتبط بموسم دون غيره من مواسم السنة. وحتى اللحظة لم يصل العالم إلى «فاكسين» للوقاية من الفيروس.
نسمع كلاماً كثيراً حول اكتشافات واتجاه دول إلى إنتاج «فاكسين»، لكن الواقع يقول إن الأمر يختلط فيه الإنجاز العلمى الحقيقى بالدعاية. فالكل يزعم أنه فى طريقه للوصول إلى لقاح أو علاج. نحن هنا فى مصر نسمع منذ ظهور الفيروس عن ذلك، ومن حين إلى آخر يخرج علينا بعض الوزراء مبشرين بأننا فى الطريق وأن الوزير الفلانى قابل الباحثة العلانية والفريق الذى يعمل معها لمناقشة الدواء الذى تمكنوا من الوصول إليه، وبعدها لا نسمع شيئاً. فمنطق الدعاية غالب على العديد من الأخبار التى نسمعها فى هذا السياق.
لقد عاندت شعوب ودول عديدة مع التحذيرات المتعلقة بانتشار الفيروس حتى جوبهوا بالمشكلة. لعلك تذكر سخرية بعض المسئولين بالبرازيل من الأمر فى بدايته. اليوم أصبحت البرازيل الدولة رقم (2) على مستوى العالم فى حجم الإصابات (أكثر من 3 ملايين) وعدد الوفيات (أكثر من 100 ألف وفاة).
مواجهة الخطر بالسخرية أمر لا بأس به، إذا أدى إلى التعامل الهادئ والإدارة العقلانية فى مواجهته، لكن السخرية التى تؤدى إلى الإهمال مسألة أخرى.