«كورونا» أفقدنا الكثير من الألق، خلق داخلنا إحساساً عميقاً بالوحدة، ليس معيباً التعبير عنها، بل العكس صحيح يجب الاعتراف بأن الوحدة أصبحت جزءاً أصيلاً من ذواتنا، لا نستطيع تغافلها أو نعيش معها حالة من الإنكار، ربما الاعتراف بأننا نعيش الوحدة، مثل القول مراراً بأننا نشعر بالصداع مثلاً، هناك أشخاص من جميع الأعمار يخجلون من البوح بإحساسهم بالوحدة، وطالما كانت الوحدة من المحظورات، شىء نشعر به دون الحديث عنه، فنحن نخسر معركتنا ضدها، الوحدة شعور شخصى، تحدث عندما لا تقابل توقعاتك الاجتماعية واقعك، فالاحتفاظ بدائرة اجتماعية هو أمر من السهل قوله عن فعله، وهو شىء علينا توفير الوقت اللازم لممارسته، ربما لا تستطيع التكنولوجيا أن تحل محل التواصل وجهاً لوجه، لكنها تحد من الشعور القاسى بالعزلة، والاعتراف بوحدتنا هو شىء إيجابى فى ظروف قاتمة يعيشها العالم كله، هذا الاعتراف السلس دون حرج أو إنكار هو بداية الحل لمشاكل نفسية عميقة قد نتعرض لها، بسبب تقلص الفرص فى ممارسة نشاطاتنا اليومية المعتادة دون خوف أو حساب، وإحساسنا الدائم بالحبس الإجبارى الذى فرضته علينا الجائحة، من منا لا يشعر بالانزعاج الشديد بسبب الحد من الحركة والتفكير مائة مرة قبل التحرك بحرية والانطلاق نحو الحياة الطبيعية المعتادة، افتقدنا معنى التنقل دون حذر، افتقدنا اللقاء بأهلنا وأصدقائنا والتجمعات الخالية من الحرص والتباعد والكمامات، والتوجس من العدوى، ومراقبة أنفسنا بعد كل لقاء يمكن أن يجمعنا بشخص ما، أو اختلاط تفرضه ضرورات العمل أو.. أو.. إلخ. ولأن اختفاء الوباء لا يشى بانفراجة قريبة، فإن التكيف مع الوحدة بات أمراً واقعاً، نستطيع أن نخرج منها بالتفتيش داخلنا عن مهارات كانت مدفونة أو مواهب نعيد اكتشافها، نحاول خلق جو من التفاؤل يبعدنا عن دائرة الاكتئاب والإحساس بالعجز.
كنا نترقب إنتاج اللقاح الذى سيقضى على هذا الكابوس بفارغ الصبر، غير أن الفوضى والتخبط التى لازمت ولادة اللقاحات، أربكت الأنظمة الصحية فى العالم كله، بسبب انخفاض القدرة على الإنتاج بالنسبة للاحتياج وفى زمن قياسى، وبسبب انعدام العدالة فى التوزيع، وبسبب حرمان الدول الفقيرة من الحصول على اللقاح، وبسبب تحور الفيروس إلى سلالات جديدة أشد عدوى وأسرع انتشاراً، والتشكيك فى قدرة اللقاحات على التغلب على الفيروس أو مدى فاعليتها فى ظل انتشار السلالات الجديدة، وبسبب تزايد أعداد الإصابات والوفيات اليومية، وإحساسنا بانعدام القدرة على الاحتمال، مع ازدياد أعداد الوفيات وما تثيره تلك الأخبار السيئة من فزع وخوف، كل ذلك أدخلنا فى نفق مسدود، ودوامة من الإحباط مرة أخرى، فضلاً عن عودة الحديث عن نظرية المؤامرة بالتزامن مع ظهور اللقاحات على أرض الواقع، بدرجة مرعبة! لأنها تصدر من علماء وأطباء متخصصين حول العالم! فماذا نفعل؟ رغم أن الكبوة الحادة التى يعيشها العالم تختص بالعلم والبحث العلمى بامتياز، غير أنه لا يوجد حتى الآن حقيقة علمية مؤكدة تثلج الصدر وتدعو للاطمئنان نحو هذا العبث الذى نعيشه، ويتصدر وسائل الإعلام والرأى العام العالمى، فما زالت الصورة مظلمة، حتى إن تصريحات المدير العام لمنظمة الصحة العالمية «تيدروس أدهانوم جيبريسوس» والمسئولين فى المنظمة تدعو للقلق، فلم يخرج عنهم تصريح واضح محدد حتى الآن يحسم الجدل أو يهدئ المخاوف، ويبدو أن المعلومات لديهم غير كافية ولا حاسمة كى يستمدوا منها القدرة على بث التفاؤل للبشر الذين أصبحوا رهائن الفيروس، وتحت وطأة الضغط النفسى والعصبى.
نحن بحاجة إلى رسائل طمأنة من العلماء والخبراء تحسم الشائعات، وكل هذا العبث الذى يعيش فينا ومعنا، بحاجة إلى إجابات شافية تكسر دائرة الخوف وتشيع الأمل، بدلاً من إشاعة اليأس، وتركنا نهباً للشائعات والوقوع فى فخ الاكتئاب والإحباط، فقد سئمنا من التحذير الوحيد الذى يتقنه المسئولون والعلماء باتخاذ التدابير الاحترازية التى مهما حاولنا الالتزام بها، فإن طبيعة البشر لن تحتمل تطبيقها لفترة طويلة.