قبل بداية كلماتى يجب أن أقر وأعترف أنه لم ينجح إنسان على وجه الكرة الأرضية فى نُطق تلك العبارة بلوعة وعتاب ودلال وحنين وألم وتودد واستنكار وطلب للمغفرة مثل كوكب الشرق أم كلثوم، ويبدو أن الله منحها نطقاً وأداء لا يقارن ومتفرداً ومتميزاً وواضحاً لم ولن يتكرر وكأنه يخرج من أعماق الأعماق وتصاحبه لمسة ألم ورجفة نادرة لحرفى الحاء والباء، فجاءت عبارتها موجعة لكل محب عاشق.
وعندما تشدو وتقول «يا اللى ظلمتوا الحب» سرعان ما أتذكر أن ذلك الساحر الذى يخطفنا ويحلق بنا فى سماء الأحلام والخيال ويلقى بنا وسط الزهور بأنواعها وألوانها ومعانيها والبحار بأمواجها الهادئة والطائشة والهادرة قد ظُلم «بالضمة فوق حرف الظاء» فى عالمنا من جميع المحبين.
وجاءت أولى صور ذلك الظلم البين عندما أطلقوا اسمه كذباً وبهتاناً على العلاقات الجسدية بين الرجل والمرأة، وهو منها برىء، لأنه أسمى وأرقى وأعمق من أن يترجم لرغبة أو شهوة عابرة.
وبطبيعة الحال فإن ما كتب عنه والأوراق التى جمعها العلماء والباحثون فى العلوم الإنسانية والطبيعية والنفسية والنتائج التى توصلوا لها إذا أضيف إلى قصائد الشعراء وألحان الموسيقيين وهمهمات الطيور وخطواتها الراقصة التى تلعب بها قصة الغزل والصور التى رسمت بريشة وألوان العشاق واللمعة التى تخرج من نظراتهم وتنعكس على ما يرون حولهم فتتغير الألوان والأشكال وتختفى المسافات يمكن أن تكون موسوعة متكاملة نادرة تحفظ فى المكتبات ويتخاطفها المحبون والمولعون بكل أشكال الجمال والإبداع.
وإذا أردنا أن نبدأ أولى كلمات تلك الموسوعة فيمكن أن نقول إن الحب يعرف بشكل عام بأنه هو الانجذاب لأى شخص والإعجاب به، وقد شرح ذلك العديد من العلماء بأنه عبارة عن كيمياء مشتركة بين شخصين، حيث يقوم الجسم بإفراز هرمون المحبة المسمى بهرمون «الأوكسيتوسين» الذى يقوم بتحسين الحالة المزاجية للشخص على الفور عند رؤية الحبيب.
وإذا كان من ضمن معانى كلمة الحب لدى بعض المفسرين اللغويين أنها تدل على الالتزام والثبات، فإن هناك تفسيراً يرجع للإغريقيين بأنهم كانوا يرتدون خاتم الزواج فى الإصبع الرابع من اليد اليسرى، لأنهم يعتقدون أن هذا الإصبع يمر به ما يسمى «وريد الحب»، وهو وريد يمتد مباشرة إلى القلب.
ومن أجمل ما يمكن أن نضمه لتلك الموسوعة تأثير مشاعر الحب على الدماغ، الذى يشبهه الأطباء النفسيون بتأثير مخدر الكوكايين، حيث أثبتت الدراسات أن المنطقة (الغشائية البطنية) فى الدماغ تتأثر بـ(الدوبامين) لدى الشخص المحب بالطريقة نفسها التى تحدث لمتعاطى الكوكايين، والدوبامين هو ناقل عصبى بالدماغ تتعلق وظائفه بالبهجة والسرور والاستمتاع.
وفى دراسة قامت بها جامعة «ساوث» الأمريكية أكد الباحثون أن هناك العديد من التغيرات التى يشعر بها الرجال والنساء عند وقوعهم بالحب، ذلك لأنه يرتبط بتغيرات فسيولوجية تحدث لجسم الإنسان، ومنها زيادة الطاقة فى الجسم وانخفاض مستوى التركيز والتعرق والشعور بالدوار وعدم الاتزان وزيادة عدد نبضات القلب. وإذا كانت تعريفات الحب الكثيرة التى توافق عليها علم النفس والاجتماع والفلاسفة والمفكرون والتى خلصت إلى أنه مزيج من المشاعر السامية تجاه شخص بعينه وهو ما يؤدى إلى أن يصبح هذا الشخص ذا مكانة عالية كما أنه لا يقتصر على حب إنسان لآخر بل إنه قد يكون شعوراً موجهاً لمفهوم محدد أو مبدأ، فإنه يمكننا أن نكمل ما شدت به «أم كلثوم» ونقول لمن يهاجمونه ويظلمونه ويشوهونه «العيب فيكم يا فى حبايبكم».