اخترت أن تكون أولى كلماتى فى جريدة «الوطن» عن «المواطن».. المواطن الذى راهن على الثورة بآخر نقطة دم فى وريده، ربما فقد ابنه أو فُقعت عينه.. أو تصلبت شرايينه فى محاكمة عسكرية.. أو تعرضت ابنته لكشف العذرية!!. لكنه ظل فخورا بأنه «ثائر» يصنع تاريخ بلاده، يتحمل الانفلات الأمنى بحثا عن كرامته، يتنقل من طابور الاستفتاء إلى طابور الانتخابات إلى آخر الطوابير من العيش إلى البنزين.. على أمل أن يحقق شعار ثورته «عيش.. حرية.. كرامة إنسانية». هذا المواطن عاد للمربع رقم صفر، يستمع إلى رئيس الجمهورية وهو فخور بزيادة محصول القمح وانخفاض سعر المانجو فإذا ما ذهب للسوق يجد كيلو الطماطم بستة جنيهات أما أسعار اللحمة فهو لا يسأل عنها منذ عهد «مبارك»!. يحاول أن يتمرد على تدهور الأحوال الاقتصادية، «أليس حراً»؟؟ فليعتصم.. يجد هراوة غليظة تسقط على نافوخه (لفض الاعتصام بالقوة).. فيكتشف أنه لم يتحرر بعد من سطوة الدولة البوليسية التى عادت لتستقوى على الغلابة!! فى بلادى الثائرة.. لا عيش ولا حرية ولا كرامة إنسانية.. إلا لجماعة الإخوان المحظوظة. فى بلادى الثائرة تُكمم الأفواه مجددا لنعيد إنتاج «الطاغية» بصحافة خرساء وإعلام رسمى مشوه.. وميليشيات قانونية تلاحق الصحفيين بتهمة إهانة الرئيس، ثم يخرج وزير العدل المستشار «أحمد مكى» ليقول إن إهانة الرئيس تعادل تهمة القتل العمد(!!). فى بلادى، التى ثارت على فساد رجال أمانة السياسات، يصعد المهندس «خيرت الشاطر» نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين ليحتل المشهد الاقتصادى. فى بلادى -التى ثارت ثم انكفأت على وجهها- أغرب نظام حكم فى القاموس السياسى: (رئيس جمهورية.. ووزارة.. وميليشيات تلتهم خصوم النظام.. ومكتب إرشاد وصى على الكل)!. فى بلادى -التى لم أعد أتعرف على ملامحها- تنمو دولة دينية، لا تحمى حتى «الشيعة» من بنى ديانتها، (تم رفض تأسيس حزب شيعى)، وتدور حلقات مسلسل عنيف لتهجير الأقباط (التهديدات موثقة فى رفح تحديدا).. فلا حصانة لحرية العقيدة ولا ضمانة لحقوق المواطنة.. والدستور متعثر حتى إشعار آخر!. فى بلادى المنهوبة يخرج علينا وزير البترول الدكتور أسامة كمال ليبشرنا بـ«تحريك» سعر السولار حتى يصل الدعم إلى مستحقيه، وكأنه يعلن توقيت الثورة القادمة: «ثورة الجياع». وكلمة «تحريك» هذه كلمة ملعونة استخدمتها حكومات «مبارك» المتعاقبة فكانت شرارة البدء لاندلاع حرب الغلاء فى كل السلع الأساسية. «الإخوان» يتنصلون الآن من الفقراء.. أو أنهم يكرسون الفقر ليمتلكوا دائما شراء أصوات الغلابة فى كل انتخابات. ورئيس الجمهورية القادم من عباءة الإخوان لا يرى شعبه من خارج الجماعة. أليس غريبا أن يبدأ الرئيس خطابه دائما بكلمات «أهلى وعشيرتى»!!. أليس غريبا أن يحدثنا دائما من داخل المسجد، ويخطب فينا عن «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر».. إنه يتحدث إلى أحبته من داخل الجماعة فقط!. لقد تخلصنا من «عصابة» كانت تحكمنا لتتسلمنا «جماعة».. والمواطن الغلبان لم يكن طرفا فى العصابة ولا عضوا فى الجماعة.. المواطن الغارق فى ديون مصاريف المدارس والعلاج و«المانجو» لا يجد رغيف العيش.. لكنه يبحث عن كارت شحن ليكلم الرئيس شخصيا على الرقم الساخن!!. فحين يتحول نظام الحكم إلى مجرد دواوين مظالم.. لا بد أن يخصص الرئيس تكايا لشعبه الجائع.