بعد الانفتاح عام 1974 انفجرت النزعة الاستهلاكية داخل نفوس الكثيرين، ومن لم يكن يملك مالاً يستهلك به كان يستسلم لإحساس مرير بالحرمان.
الجميع كان يهرول إليها، أغنياء الناس وفقراؤهم، ليعود الأغنياء محملين بأحدث الماركات العالمية فى الملبس والمركب والمأكل والمشرب، بعد سنوات حرمان طويلة من «المستورد» قضوها فى عصر عبدالناصر، ويعود الفقراء بما تيسر حتى ولو كان «كام باكو لبان على شرابين وعلبة كومبوت».
تجذرت ثنائية «الاستهلاك - التطلع» فى النفس المصرية مع تشكل طبقة من الأغنياء القدامى (ممن تم رفع الحراسة عنهم من أثرياء العهد الملكى) والأغنياء الجدد الذى خرجوا من رحم الثورة واعتمدوا على الفساد فى مراكمة الثروات.
ودعّم الثنائية زيادة عدد المصريين الساقطين فى مستنقع الفقر، وتولّد لدى هؤلاء نزعة تطلع ورغبة جامحة فى الحصول على المال حتى ولو كان بطرق غير مشروعة لإشباع تطلعاتهم التى كانت تغذيها الإعلانات التليفزيونية بأعلى درجات الدأب.
طرأ على الشخصية المصرية طارئ جديد ذابت معه الحدود الفاصلة بين المال المؤسس على الاجتهاد والمال المبنى على السرقة، وتغذى هذا الطارئ على إحساس ترسخ داخل نفوس الغالبية بأنه «ما دام الكل يسرق لا بد أن أسرق»، وبسبب توسع دائرة الفساد لم تعد عين المواطن تفرق بين الثراء المشروع والآخر غير المشروع، واعتبرت أن «كل غنى لص».
وأمام هذا التحول لم ينظر «السادات» إلى الشرخ الذى أحدثه الفساد الناتج عن الانفتاح فى النفس المصرية، ولجأ إلى الحل الأسهل فاتهم عبدالناصر بأنه ترك له تركة ثقيلة من الحقد!
فيلم «أهل القمة» الذى أنتج عام 1981 وأخرجه على بدرخان عن قصة بالعنوان نفسه للأديب العالمى «نجيب محفوظ» قدم معالجة عميقة للتحولات الاجتماعية التى أصابت الحياة المصرية مع نشأة المدينة الحرة فى بورسعيد، من خلال حكاية اللص «زعتر النورى» الذى تحول إلى رجل أعمال.
كان «زعتر» يرى أن البلد كله لصوص وأن الحكومة هى اللص الأكبر، وأن الأمن لا يسلط سهامه إلا على اللصوص الغلابة، فى حين يحمى اللص الأكبر!
آمن «زعتر» بأن الشرف فى زمن الانفتاح خيبة، واستغل مناخ الانفتاح والمنطقة الحرة وبدأ يعمل فى تهريب البضائع حتى أصبح رجل أعمال مرموقاً، وأقنع الضابط الذى كان يطارده بالأمس بقبوله كشريك حياة لابنة أخته. هذه الحكاية تكررت بنسخ مختلفة وأبطال متباينين خلال فترة السبعينات فتحول موظفون بسطاء فى الجمارك أو عمال فى ميناء إلى أصحاب أعمال جلبت عليهم الملايين.
ونتيجة هذه التحولات أصبحت السلع الاستفزازية جزءاً من حياة مجموعة من المصريين، الذين أثروا باستغلال الظرف بعد زمان عاشوه فى ظل قاعدة «القناعة كنز لا يفنى»، وبدأوا ينظرون نظرة استعلاء إلى القاعدة العريضة من الفئات التى يقتلها الفقر والتطلع ويعيبون عليهم حالهم، قناعة منهم بأن كسل وقلة وعى هؤلاء بمعادلة «الخطف والهبر» هى التى أوردتهم هذا المورد، ورددوا على مسامعهم إحدى المقولات التى انتشرت فى السبعينات: «اللى مش هيتغنى دلوقتى.. عمره ما هيبقى غنى».