يشكل يوتيوبرز «آخر الزمان» جزءاً لا يتجزأ من ظاهرة «اليوتيوبرز» متنوعى الاهتمام والهوى والمشارب التى راجت على مواقع التواصل الاجتماعى.
فكل مَن يملك كاميرا ومكاناً بات يجلس ويسجل ويرص الكلمات ويجد من يشاهده ويتابع ما يقول، بغض النظر عن قيمته. هى حسبة ومحسوبة، فمن بين ملايين المتابعين لموقع يوتيوب، لا بد أن يظفر اليوتيوبر ببضع مئات أو آلاف من المتابعين يجد الكلام صدى لديهم، ولعلك تعلم أنه كلما زاد عدد المتابعين ارتفعت المكاسب المالية لـ«اليوتيوبر» (من الإعلانات)، بالإضافة إلى خدمة أهداف أخرى عديدة.
من أبرز الفئات التى يتوزع عليها اليوتيوبرز فئة «يوتيوبرز آخر الزمان». داخل هذه الفئة تظهر مجموعة من الوجوه التى تختلف فى درجة حضورها أمام الكاميرا أو قدرتها على تدبيج الأحاديث أو تمكّنها من «المعرفة الدينية»، وهى معرفة لازمة بحكم أن موضوع «آخر الزمان» من الموضوعات التى يفترض أنها ذات صلة بالدين.
عدد المعنيين بالحديث فى هذا الموضوع على موقع يوتيوب يتزايد باستمرار، وهم يتوزعون بين مجتمعات عربية مختلفة، بل وهناك مَن يتناول هذا الموضوع على مستويات عالمية، ومن الإنصاف أن نقول إن جمهور هذا المحتوى يتسع بمرور الوقت، ما يعطى للظاهرة مساحة أكبر للتمدد فى المستقبل، وتفسير ذلك تجده فى عدة أسباب.
السبب الأول يتعلق بجاذبية الموضوع الذى يتناول الإرهاصات التى ستسبق نهاية الحياة على الأرض، مثل علامات القيامة، وظهور بعض الشخصيات التى تهيئ العالم لظهور «المهدى المنتظر»، وهى أفكار تجد سنداً ضعيفاً لها داخل بعض الأحاديث النبوية التى تحتاج إلى جهد فى تدقيقها ومراجعتها بسبب تناقض محتواها مع الصورة التى رسمها القرآن الكريم للنبى، صلى الله عليه وسلم، التى لم يكن من بين سماتها قط القدرة على التنبؤ بالأحداث المستقبلية أو التعريف بما سيقع بعد وفاته، صلى الله عليه وسلم، وسأوضح لك ذلك بالتفصيل لاحقاً.
السبب الثانى يتصل بحالة الضغط والمعاناة التى تعيشها قطاعات لا بأس بها من الشعوب، وهى الحالة التى تتعلق بالأحداث التى شهدتها العديد من الدول خلال العقد الأخير، وأدت إلى إرباك الأوضاع بها، وأفرزت العديد من المشكلات التى تضغط على الفرد والمجموع بصورة تضعه فى حالة قلق عنيف على المستقبل، ولعلك تتفق معى على أن حالة القلق والتوجس من الغد هى التى تدفع الإنسان إلى الشغف بأية معلومة تحدد له طالع الزمن المقبل.
السبب الثالث يرتبط بالدور الذى أصبحت تلعبه مواقع التواصل الاجتماعى كمصدر للمعرفة المشوشة والتسلية، فكثيرون أصبحوا يعتمدون عليها فى الحصول على المعلومات والتسلية وتمضية الوقت، وتركيبة المحتوى المتشتت المبعثر بين الماضى والحاضر والمستقبل الذى يعتمد عليه يوتيوبرز آخر الزمان -وغيرهم- أيضاً أحياناً ما يجد صدى جيداً لدى المتلقى «الملخبط» أو «المشوش» المستعد للاستماع إلى الفكرة وعكسها، كما أن أغلب يوتيوبرز آخر الزمان يهاجمون بعضهم بعضاً، ما يوفر مساحة جيدة أيضاً للمتلقى للانحياز إلى هذا الفريق أو ذاك.
ثمة مجموعة من الأسئلة واجبة الطرح على هامش هذا الموضوع: ما درجة وجاهة الأحاديث المتداولة عن آخر الزمان؟.. وهل من الممكن أن تنكشف حجب المستقبل للإنسان؟.. وما حكاية «المهدى المنتظر» وما أصلها وأبرز تجلياتها؟