لم أفكر حين شاهدت ذلك الفيديو الخاص بالأستاذ الجامعى الذى يحاول إجبار ممرض على السجود لكلبه سوى فى فكرة واحدة.. متى نبت فى وادينا الطيب كل هذه «السادية»؟
الفيديو انتشر بكثافة منذ أيام، ووجد تفاعلاً شديد السلبية معه.. وفيه يظهر ممرض ليس صغيراً فى السن يجبره أحدهم على القفز فوق الحبل كالأطفال.. ثم يطلب منه أن يسجد لكلب صاحب الصوت الذى يظهر فى الفيديو.. فيرفض الممرض ويطلب أن يتم صعقه بالكهرباء أفضل!!!
الجميع قد أصابه الفزع من هذا الفيديو الذى يحمل قدراً من السادية أكبر من أن يتحمله أحد.. فبمعزل عن الطلب الغريب بالسجود لكلب.. فالواقعة كلها تنم عن فكر مريض يتعذر على البعض أن يستوعب أنه قد صدر من أستاذ جامعى.. فضلاً عن كونه طبيباً مسئولاً عن أرواح الناس!! لقد انبرى الجميع فى الهجوم على الأستاذ الجامعى، بينما وجد البعض أن الممرض يحمل قدراً من الخطأ لأنه سمح أن تتم معه مثل هذه الممارسات كى «يمشّى أموره»، بحسب قوله!!
الأستاذ الجامعى يقول إن الأمر كان فى إطار الدعابات المعتادة بين أفراد الطاقم الطبى داخل غرف العمليات.. بل ويزيدنا من الأشعار بيتاً بأن يقول إنه لو تم نشر كل أنواع الدعابات بين الأصدقاء لانهار الناس من هول ما يحدث!!
والحقيقة أننى أعرف غرف العمليات جيداً.. فقد قضيت بها نصف عمرى.. وأنوى قضاء النصف الآخر داخلها أيضاً.. ولكننى لا أعرف هذا النوع من الممارسات.. وأرفض أن يتم تصنيفها بالدعابة.. هى سادية قذرة تستوجب العقاب الرادع قولاً واحداً.. وكل من يدافع عنها أو يحاول تبريرها مذنب يستلزم عقابه، أو مريض يتطلب علاجه!!
المشكلة أن هجوماً شديداً قد حدث على الأطباء بشكل عام، وعلى أساتذة الجامعات منهم بشكل أكثر خصوصية.. فالجميع قد وقع فى فخ التعميم.. وأخذ الجميع ينعتون أساتذة الجامعات بكل الصفات.. وهو أمر شديد الخطورة.. فإهانة العلماء أول الطريق لانهيار المنظومة بأسرها.. وتعميم الخطأ يلقى على الجميع وزراً لا يستحقونه.. أعرف الكثير من أساتذة كليات الطب يحرصون على علاقة وطيدة بهيئة التمريض المعاونة لهم.. بل وبالعمال الموجودين بغرف العمليات التى يمارسون فيها عملهم.. بل وأعرف منهم من يجلس معهم ليتناول الطعام أو حتى يتبادل معهم الحديث الودى بشكل منتظم..!
لعل أسوأ ما حدث فى تلك الواقعة هو ذلك الدفاع المستتر، بل والمعلن، الذى قام به أساتذة جامعيون «أفاضل» عن زميلهم بذات الكلية.. وكيف أنه طيب القلب، محب للدعابة.. بل إن أحدهم، وهو طبيب مرموق وأستاذ جامعى قديم، قد استنكر بيان وزير التعليم العالى الذى أفاد بفتح تحقيق مع الدكتور صاحب الواقعة داخل الجامعة على الرغم من أنها حدثت فى أحد المستشفيات الخاصة.. وهنا ينبغى توجيه السؤال الأكثر كشفاً للحقيقة.. ماذا لو كانت الواقعة قد صدرت من ضابط شرطة بأحد الأقسام؟ هل كان رد فعل الأساتذة الأفاضل سيكون بنفس الشكل؟!
لقد نسى زملاء الأستاذ الكبير أن عضو هيئة التدريس يحاسب على أفعاله داخل وخارج الحرم الجامعى.. وتناسوا أن الدعابة بينك وبين من هم أقل منك فى الدرجة الوظيفية ينبغى أن تتسم بالإنصاف وإلا تحولت إلى استغلال للسلطة..!
لقد أمر النائب العام بفتح تحقيق فى الواقعة.. وهو أمر يثلج صدرى.. على الأقل حتى يتسنى للناس أن تدرك أن هناك من يحميهم من المرضى وأصحاب النفوس الضعيفة فى كل مجال.. ويحفظ لهم كرامتهم التى ربما يمتهنها البعض بحجة الدعابة!!
الطبيب المخطئ سيعاقب على ما فعله.. أثق فى هذا وأرتاح إليه.. ولكننى أعتقد أن الواقعة ربما تفتح الباب لإعادة تقييم كل من يتولى منصباً من الناحية النفسية.. فالمرضى من هذا النوع يسيئون للمجتمع بأسره وليس لمرؤوسيهم فحسب.. والمجتمع المصرى الجديد لن يتقبل هذا النوع من الإساءة.. أو هكذا أعتقد!!