كل ما كُتب عن حرية العقيدة وما تردد على ألسنة المثقفين حول التسامح وقبول الآخر والتعايش، ودون أدنى مبالغة، تلخصه كلمات الرئيس «عبدالفتاح السيسى» هذه: (ما تفرضش علىَّ فهمك واعتقادك الدينى.. وأنا مش أفرض عليك فهمى واعتقادى الدينى).
يفرّق الرئيس بين الفهم والاعتقاد، «الفهم» هو الذى قسّم الأديان إلى مذاهب متفرقة، وبداخل كل مذهب تفسيرات للنصوص السماوية تتراوح ما بين التطرف الذى يصل إلى حد الإرهاب، والإصلاح الذى يطالب بالتنوير.. أما الاعتقاد فيشمل الأديان الإبراهيمية كما يشمل البوذية والبهائية واللادينية، وحرية الاعتقاد يكفلها الإسلام نفسه بنص قرآنى «لا إكراه فى الدين»، (ومن يقول الآية نُسخت.. قل له: هذا تفسيرك أنت!)، كما أن حرية الاعتقاد مكفولة بموجب الدستور: «حرية الاعتقاد مطلقة. وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية، حق ينظمه القانون».
فكيف تتحول مقولة السيد الرئيس إلى واقع، دون أى مزايدة دينية من وكلاء الله على الأرض، هذا ما ذكرته المادة 64 من الدستور: «حق ينظمه القانون».. التنوير ليس قراراً سيادياً يصدره الرئيس بمرسوم رسمى.. وكما قلت فى مقالى الأخير أن (عملية الإصلاح الدينى، قد تحتاج ثورة فكرية وتشريعية واجتماعية.. والثورات لا تقف أمام عناد مؤسسة أو «فرد»، فحين تتوافر الإرادة السياسية يصبح «التنوير سيد الموقف»).. فكيف يتحقق ذلك؟.
قاد الرئيس «السيسى»، بنظام 30 يونيو ودستوره، عملية الإصلاح للتشوهات الاجتماعية الناجمة عن «فهم خاطئ للعقيدة»: الثورة التشريعية بدأت بتغليظ عقوبات الختان وزواج القاصرات والتحرش بالنساء، فهذا هو التطبيق العملى للفهم الصحيح للدين.. بالقطع ننتظر أن يبادر مجلس النواب بإلغاء المادة 98 من قانون العقوبات المصرى، (المسماة بازدراء الأديان)، والتى أصبحت أداة اغتيال للمفكرين والتنويريين؟.
وأن تغير الحكومة كل ما يتعارض مع «حقوق المواطنة» مثل خانة الديانة فى الرقم القومى، ونمحى الازدواجية بينه وبين جواز سفر بدون خانة ديانة!. وأن تمنح البهائيين المقابر المطلوبة لموتاهم فهى أصلاً مكلفة بحماية شعائرهم الدينية.. فكما قال الرئيس: «التطرف مبنىٌّ على التمييز والاستعلاء».
ويجب أن تتخذ الحكومة كل ما يحقق «العدالة والمساواة» بين المواطنين بتوحيد التعليم، فـ «التعليم الدينى» مثل السوبر ماركت الإسلامى غزل لمشاعر المواطنين بدين ملوث بالمصلحة: (الإخوان بدأوا جماعة دعوية واخترقوا المجتمع وتغلغلوا فيه بالمدرسة والمستوصف حتى أصبحوا دولة موازية).
لا بد من تفكيك الاشتباك بين «المدنى والدينى» لنفك إشكالية «هوية الدولة» ذاتها قبل تفتيت كتلة التطرف.. والحد الفاصل بين الاثنين تجسد فى قرار بسيط للرئيس «السيسى»: فى 30 يونيو 2017 حين قام بتعيين المستشارة «رشيدة فتح الله»، عضو المجلس الأعلى لهيئة النيابة الإدارية، رئيساً للهيئة، فى ضربه موجعة لأنصار الخطاب السلفى الذى يسعى للاستيلاء على «آليات الحكم» باسم «الوصاية الدينية».. فتوى كانت تمنع النساء من دخول السلك القضائى بزعم أنه ولاية، و«لا ولاية لامرأة»، هذا فهمهم وتسييسهم للدين.. ثم اكتملت مواجهة المد السلفى وفلول الإخوان بدخول المرأة المصرية القاضية مجلس الدولة.
الخلاصة: مبارزة التفاسير البشرية للدين بين الأئمة والفقهاء جميعهم بتفسير عصرى تضر مسيرة التنوير.. «الرئيس التنويرى» يحكم بصلاحياته الدستورية وليس بفتوى: فلمن تنحاز وفى أى جبهة تقف؟!.