لا أحد يختلف على رمزية الزعيم الراحل ياسر عرفات بين جموع الفلسطينيين، فهو «كاريزما» من طراز خاص، شخصية اعتبارية ووطنية، لها ثقلها السياسى وقيمتها النضالية، هو أب لكل الفلسطينيين، يُطلق عليه لقب «الوالد» و«الرمز» و«القائد»، وهى ألقاب تطلق على الشخص الذى يحظى بمحبة واحترام وتقدير شعبه، ومن هنا نستطيع أن نفهم الغضب الشديد الذى انتاب محبيه وردود فعل نشطاء مواقع التواصل الاجتماعى، بعد أن شاهدوا الرسوم الكاريكاتيرية المختلفة التى عُرضت فى مؤسسة الراحل ياسر عرفات، فى افتتاح معرض «كاريكاتير فلسطين وياسر عرفات»، الذى شارك فيه أكثر من 100 رسام من 43 دولة، وضم 350 لوحة فنية عُلقت 250 منها على جدران متحف ياسر عرفات، فيما عرضت اللوحات المتبقية على شاشة عرض على مدخل المتحف، ورغم موافقة إدارة المعرض وقيادات فى اللجنة المركزية لحركة «فتح» على نشر الكاريكاتير فى المعرض، فإنها أثارت غضب رواد مواقع التواصل الاجتماعى إذ اعتبروا بعض الرسومات مهينة لرمزية الراحل ياسر عرفات «أبوعمار». وطالب النشطاء الفلسطينيون ورواد على مواقع التواصل الاجتماعى بإزالة الرسوم المسيئة للراحل عرفات، مطالبين برحيل «محمد أشتية» رئيس الوزراء الفلسطينى، كونه شارك فى افتتاح المعرض وأشاد به. وفى تصعيد للموقف اعتصم عدد من الفلسطينيين وأنصار حركة «فتح» فى رام الله، رفضاً لمعرض الصور المسيئة والمهينة لرمزية الرئيس الراحل ياسر عرفات.
صحيح أن فن الكاريكاتير، يطلق العنان لصاحبه كى يتصور الحدث كما يشاء، أو يعبر عما يكوّنه خياله، فيجسده بطريقته الخاصة، ففن الكاريكاتير هو فن بصرى يعتمد على الرسم بطريقة غير مألوفة، حيث تكون الرسومات الكاريكاتيرية مشوهةً أو غير منطقية، وغالباً ما يستهدف فن الكاريكاتير رسم شخصيات واقعية بأسلوب هزلى بدافع التهكُّم أو السخرية من الواقع، وربما أهم ما يميز هذا الفن هو المبالغة المُفتعلة أثناء رسم ما يتم إنتاجه فى الكاريكاتير، بهدف تقريب الصورة لمتلقى هذا النوع من الفنون البصرية، ويُوصف بأنه فن تمثيل الذات. وقد دخل فى تعريف فن الكاريكاتير وجود بعض الأمور غير المنطقية فيما يتم إنتاجه من أعمال الكاريكاتير، كإكساب بعض الصفات البشرية لغير البشر أو العكس، بحيث تعكس الرسومات أفكاراً مُبطَّنة يعنيها الفنان صراحةً أو تضميناً، وبالرغم من الهزليَّة العالية التى تحتوى عليها الرسوم الكاريكاتيرية، إلا أن هذا الفن ينطوى على درجة عالية من الجديَّة والجرأة فى الطرح من أجل تناول بعض المشكلات الاجتماعية أو القضايا السياسية، على عكس ما يظنه الكثيرون بأن الغرض من هذا الفن البصرى هو التسلية المَحْضة.
الغضب الذى عبّر عنه الفلسطينيون تجاه الرسوم الكاريكاتيرية له مبرراته، فالتعبير بالرسوم الكاريكاتيرية عن شخصية حية شىء مقبول، ويمكن استيعابه دون ضجيج، لكن تناول شخصية رمزية وطنية، لها مكانتها وقدرها فى وجدان شعب بأكمله رحلت عن عالمنا، فتلك نقيصة تدعو للتوقف، وربما يُشتمّ فيها سوء النية، لأنها بشكل أو بآخر تسىء لقائد الثورة الفلسطينية ورمز ديمومتها، تحت مسمى الفن وحرية التعبير بوسائله المختلفة، الاستياء لم يكن شعبوياً فقط، وإنما وصل لفنانى كاريكاتير يعلمون جيداً أصول المهنة، متى تكون فناً وإبداعاً؟ ومتى تكون ذات نوايا مغرضة؟ فقد انتقد بعض فنانى الكاريكاتير بعض اللوحات التى أبرزت بفظاظة مفرطة بعض ملامح الشهيد عرفات، رغم أن هذا أصلاً من مميزات فن الكاريكاتير، الذى يبالغ فى إبراز بعض الملامح البارزة فى أى شخصية، ولكن فى حضرة متحف يحمل اسمه، فضلاً عن رمزيته التاريخية والنضالية، كان من الأجدى والأكرم استبعادها عن المشاركة، كما أن المبالغة فى رسم الكاريكاتير لها وجهان: وجه حسن ووجه قبيح، أما المبالغة الحسنة فهى تصور الشخصية العظيمة كالشهداء والأسرى وأبطال المقاومة، فمهما بالغت يجب الحفاظ على قدسية الشخصية ورمزيتها، بحيث تكون محببة لعين القارئ وهو رسم تمجيد وتوقير، لذلك اعتبرت الرسومات إهانة للشهيد «أبوعمار»، وقدحاً فى رمزيته بل وإساءة لكل من يحبه.