هى الحياة نفسها بكل تفاصيلها ومشكلاتها وأزماتها وكوارثها، بكل أفراحها وآمالها وحلولها ونجاحاتها، بكل تناقضاتها وتقلباتها واضطرابها واندفاعها.
تهرب من شمس الصيف تلهث وراء ظل، ثم تلهث وراء شمس الشتاء تبحث عن بصيص دفء، ترتوى من ماء مثلج فى قيظ مسرى وتوت، وتشعر بالتجمد من مجرد رؤيته فى صقيع طوبة وأمشير.
تغضب من انقطاع الكهرباء فجأة، ثم تنسى المشكلة بمجرد أن يسرى التيار فى الأسلاك، تطالب بعمل طريق يسهل مرور الناس لأشغالها، وبعد أن تعتاد عليه تنسى ما كان عليه الأمر قبله، وتطالب بجسر جديد.
تشعر بالمرارة وأنت تهدر وقتك أمام شبابيك الروتين فى المرور، فى الشهر العقارى، فى مصلحة الكهرباء، فى شركة المياه، ثم تضحك على كل هذا بعد أن تنجز معاملاتك عبر تطبيق على هاتفك المحمول.
تحلم بالسفر إلى باريس وفيينا وبرشلونة وروما، وما أن تصل مبتغاك يدق الحنين الجارف لوطنك وأرضك وبيتك وأصدقائك وأهلك وناسك.
دوامة هى الحياة لا تنتهى، تتقلب فيها بين المرح والغضب، بين السعادة والبؤس، بين الشعور بالصفاء وتلقى ضربات الألم، بين الإقبال على الحياة والرهبة من قدوم الموت.
دوامة تدور فى قلبك وأنت تنتظر حدثاً سعيداً، ثم يدق فى نفس القلب خبر كالفاجعة، تنظر إلى صفاء السماء تتنقل بين نجمات المساء، ثم تغرغر عيناك وتتلاشى ملامح القمر البدرى كى تسقط دمعة.
عندما يصبح مصدر الأمان هو ذاته مصدر الألم والفزع والاضطراب، وبدلاً من أن يرضع الوليد حبات حليب الأم الدافئ، يتجرع مرارة الفقد واليتم والقسوة، فيفقد الإنسان البوصلة وتصبح كل الاتجاهات واحداً.
تدفع شعوب ثروات كى تبدل الرمال الجافة للون أخضر يبهر المحرومين، وترحل شعوب مئات الأميال كى تسرى فى عروقها بصيص حرارة قبضة من رمل كواها شعاع شمس حارقة.
دوامة فى العقول وفى القلوب، دوامة فى النفوس وفى الأرواح، دوامة فى البيوت وتحت أغطية الشتاء، دوامة لا تنفك تبدأ من جديد، ولا تهدأ حتى يطرق الملاك مستأذناً بقبض روح.
ثم ترحل الدوامة لعقل جديد وقلب جديد ونفس جديدة وروح جديدة، تضرب أسواراً جديدة، وتقتحم قلاعاً جديدة، لتحمل ضحية جديدة على المغادرة لتستريح أخيراً.