توضح الأمم المتحدة أن العنف ضد المرأة والفتاة يعد واحداً من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشاراً واستمراراً وتدميراً فى عالمنا اليوم، ولم يزل مجهولاً إلى حد كبير بسبب ما يحيط به من ظواهر الإفلات من العقاب والصمت والوصم بالعار.
بشكل عام، يظهر العنف فى أشكال جسدية وجنسية ونفسية وتشمل:عنف العشير (الضرب، الإساءة النفسية، الاغتصاب الزوجى، قتل النساء)..العنف والمضايقات الجنسية (الاغتصاب، الأفعال الجنسية القسرية، التحرش الجنسى غير المرغوب فيه، الاعتداء الجنسى على الأطفال، الزواج القسرى، التحرش فى الشوارع، الملاحقة، المضايقة الإلكترونية).. الاتجار بالبشر (العبودية والاستغلال الجنسى).. تشويه الأعضاء التناسلية للإناث.. زواج الأطفال.
ورغم الجهود التى تبذلها مصر لحصار هذه الممارسات من العنف، وملاحقتها قانوناً، فإن معدل العنف فى ازدياد، ربما بسبب الزيادة السكانية، وثقافة البوح والإبلاغ عما تتعرض له المرأة، فمكتب الشكاوى بالمجلس القومى للمرأة يعج مئات الآلاف من الشكاوى ورقم الإبلاغ بالمجلس القومى للأمومة والطفولة أوقف العديد من زيجات الأطفال.. سوف أذكر لكم بعض الأسماء وهى كفيلة بالتجسيد العملى لما تحدده الأمم المتحدة نظرياً: «مقتل نيرة» هو التى أضجت المجتمع كله لأنها قالت «لا» لشاب لا تريده زوجاً ولم يشهد المجتمع المصرى عبر التاريخ شاباً قُتل لأنه رفض حب فتاة!!.
عروس الإسماعيلية التى رضخت وخضعت للعادة واعتبرت أن «ضربها حق للزوج» فى زفافها.. فكانت النتيجة خروجها مفزوعة من سجن الزوجية بعد احتجازها وضربها المبرح.. والأمثلة كثيرة، خصوصاً مع تسليط أضواء السوشيال ميديا على الواقع.. فما الذى تغير فى المجتمع المصرى؟.
قديماً كانت الفلاحة تغنى فى الطريق إلى الحقل فلا يؤثم أحد صوتها ولا يتحرش بها وحش آدمى.. القرية تعرف «الأصول»، والرجال يرون الصبايا حين يقطفن زهرة القطن مثل ماسة نادرة تختبئ فى صدورهن أو يرفعن جلابيبهن لتمتلئ بالقطن المغلف بالبهجة والأمان.. فلم يقل أحد إنها تتعمد «الإغراء» أو إنها تغوى رجلاً.. كانت «نداً» حقيقياً للرجل، الطرحة فى قاموسها «عادة» والجلباب الأسود «حشمة».. والرجال «صحبة ثقة».
هذه المرأة قد تكون اختفت خلف بنايات أسمنتية ضخمة، من عائدات هجرة الشباب إلى أوروبا، أو استبدلت سوارها الذهبى بأغلال الحديد حين عرفت طريقها إلى العمل: (مدرسة أو ممرضة أو طبيبة.. إلخ).. لقد خرجت من «ستر القرية» إلى «الأقاليم المتوحشة».. أصبح عملها عاراً وصوتها عورة وعملها ينتقص من فرص الرجال فى العمل، أصبحت محاصرة بالعيون الجائعة والألسنة الحادة.. فما بالك لو ابتلعتها شوارع «العاصمة» وطمست خصوصية ملامحها وأخفت سمرة بشرتها، وانتهك الزحام حرمة جسدها بالتحرش، والتهم طابور البطالة أحلامها.. تبدلت حتى لغتها فأصبحت تطالب بـ«المساواة بين الجنسين»!.
هل تذكرون «البسى قفة»؟.. هذه العبارة تلخص المسكوت عنه فى العنف ضد المرأة.. نحن قدمنا للعالم أشهر نماذج القهر والعنف ضد المرأة، بدءاً بفتوى «زواج الطفلة فى بطن أمها» التى أطلقها الأزهرى «سعيد نعمان».. مروراً بكل فتاوى اضطهاد المرأة التى أباحت «نكاح المتوفاة وملك اليمين وضرب الزوجات.. إلخ» وتورط فيها علماء ينتسبون للأزهر!.هذه هى حضارتنا الإنسانية التى نتمسك بموقعنا فيها «فى الحضيض»، ونصر على تطبيب ختان الإناث، وتطلق أشد الفتاوى تخلفاً للتحرش بالنساء بزعم أنهن أسقطن «الرخصة الشرعية» بالسفور(!!).. ونخرج من كتب التراث ما يبيح زواج الأب بابنته (على مذهب الشافعية).. حتى شهدنا اغتصاب الطفلة «جنا» وموت أكثر من فتاة فى عيادات «الختان المؤثم قانوناً».
فى أكثر من حضانة أطفال ظهرت وقائع وحشية لاغتصاب الأطفال ونهش أجسادهم النيئة، هذا بخلاف محفظى القرآن وهتك عرض الأطفال.. وعلى مواقع التواصل الاجتماعى مئات الرجال يعرضون زوجاتهم للدعارة فى أقبح صورها ويعجز قانون «مكافحة الجرائم الإلكترونية» عن ملاحقتهم، وهذه أبشع صور الاتجار بالبشر.. فماذا فعل الدعاة ورجال الدين تجاهها؟.
خرج «عبدالله رشدى» يحرض على التحرش بالنساء «الحلوى المكشوفة»، واتفق كل نساء ورجال المؤسسة الدينية على أن «ضرب الزوجة حلال» واختلفوا فقط فى أداة الضرب «برسيم أو فرشاة أسنان».. ولا تزال «أبواق التحريض على العنف» تحرض وتلعب على غرائز الشباب المكبوتة فى عالم السوشيال ميديا المفتوح دون ضوابط!!.هل أصبحنا بالفعل «نحارب طواحين الهواء»؟.. لا أعتقد: المجد لمن أسقطتهم بكلمة «لا».