فجر الأربعاء زار الرئيس عبد الفتاح السيسي مقر أكاديمية الشرطة ليلتقي الطلاب وأسرهم، في هذه المناسبات يحرص الرئيس السيسي عادة على التطرق للشأن العام.
كان لافتا ما قاله لمجموعة من طالبات الأكاديمية حول فلسفة تطوير السجون، وتحويلها من مكان للعقاب، إلى مراكز للإصلاح والتأهيل، وكان لافتا أكثر تأكيد الرئيس على الطالبات: "اوعوا تبطلوا كلام.. بس يبقى كلام موزون".
هنا المشكلة والحل في آنٍ معًا، فالدولة المصرية مُتهمة في دوائر غربية بأنها لا تقبل الآراء المختلفة، دون أن تُترك فرصة في المقابل لكي نتساءل: هل رفضت الدولة الآراء في المطلق، أم أن المشكلة في "كلام ساكت" يتم تصديره كآراء، فضلا عن أن يكون تحريضا أو عبثا بالأمن القومي ومطلوب من الدولة أن تتعامل معه كوجهة نظر؟
هذا هو مربط الفرس، فالطرح الذي يخلو من المنطق والمعلومات الأساسية، لا يمكن أن يكون وجهة نظر مطلوب من الدولة أن تسمعها وتطبقها، كما أنها في المقابل لا تحجب عنها المجال العام، فالكل يكتب حتى عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي دون أن يتعرض له أحد.
خذ مثالا وقع قبل ساعات من زيارة الرئيس، حينما أعلن البنك الدولي موافقته على شراكة جديدة مع مصر، تحصل القاهرة بموجبها على تمويل إجمالي تبلغ قيمته 7 مليارات دولار، خلال الفترة الممتدة حتى عام 2027.
خرجت أصوات عدة تنتقد هذا الخبر "الإيجابي اقتصاديا"، بدعوى أن التمويلات تمثل أعباء إضافية، دون أن يضعوا هذا الطرح على ميزان منطقي يحسم الجدل: هل تنظر الدولة -أي دولة- على المستوى القومي إلى الديون باعتبارها حالة سلبية؟
الإجابة بالواقع: لا، فكل الدول مديونة.الإجابة بالمنطق: لا أيضا، فمتى كانت الديون في النسب الآمنة مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، وهو المتحقق في الحالة المصرية، تصبح وسيلة هامة لتأمين الفجوة التمويلية خصوصا في الظروف التي نمر بها، فالبديل هو إعلان التخلف عن سداد الالتزامات والدخول في دوامة كارثية، ستكون تكلفتها أسوأ آلاف المرات من أعباء الديون.
هل يمكن أن يكون الكلام "موزونا"، إذا تحدثنا عن الديون بمعزل عن "الواقع" و"المنطق"؟ وهل يكون مطلوبا من الدولة ومسؤوليها أن يخالفوا "الواقع" و"المنطق" لكي يرضوا من يطلقون تنظيرات لا تتخطى سطور الفيس بوك ولا تشتبك مع الواقع؟
أترك هذه السطور للتأمل والتفكير