المعارضة الوطنية جزء من أى نظام سياسى رشيد. هذه قاعدة أولى لا بد من لفت النظر إليها فى بادئ الأمر، حتى لا يُساء الفهم ولا يضيع المقصد ولا يُجتزأ المعنى.
لكن هذه المعارضة يجب أن تتمتع بعدة مقومات، أولها «النضج» حتى لا تكون مجرد فعل غير مسئول من أفعال الصبية، وثانيها «الحل» حتى لا تكون مجرد كلام فى الهواء ولا ضجيج بلا طحين، وثالث هذه المقومات «الواقعية»؛ حتى لا تصبح خارج سياقها الزمنى والمكانى وغير قابلة للتطبيق العملى.
بالنظر إلى حالتنا المصرية على مدار تاريخنا الحديث كله، وحتى فى أكثر الأوقات سيولة وفوضى وتراجع لسلطة الدولة وانفتاح كل الحواجز لصعود الأصوات الأخرى كما كان الحال خلال الفترة بين ٢٠١١ و٢٠١٣، سنجد أن المعارضة، أو القوى البديلة، أو القوى التى من المفترض أن تطرح نفسها بديلاً، سنجدها تفتقد لكل هذه المقومات الثلاثة، فلا هى معارضة ناضجة، ولا هى معارضة حلول، ولا هى معارضة واقعية.
الأمر نفسه ينطبق على ما تُسمى بـ«الحركة المدنية الديمقراطية» التى خرجت فى ٢٠١٧، فى ثوب جديد للتيار المدنى الديمقراطى الذى تأسس لأول مرة فى ٢٠١٤.
الحركة تفتقر لوحدة الأيديولوجية أولاً، فتجتمع أحزابها الناصرية مع أحزابها اليسارية بمشاركة ليبرالية فى حديقة منزل رأسمالى. هذا الشتات الفكرى انعكس على شتات فى الموقف السياسى، بين خطوة للأمام وخطوة للخلف، دعوة للمشاركة وأخرى للعزوف وأحياناً للمزايدة الضارة لصاحبها قبل أن تضر الآخرين.
الحركة التى قدمت نفسها كصوت موحد جديد للمعارضة، على غير الحقيقة، فلا هى موحدة ولا خطابها جديد، عانت من نفس مشكلات الماضى، ومن بين هذه المشكلات «شماعة الفشل»، وهى معضلة أزلية تعطى شعوراً بالراحة مثل الحبوب المسكنة، لكنها لا تعالج مرضاً ولا تصلح أخطاءً بل تمنع أى قدرة على التطور والتعلم والتصحيح.
مرة أخرى رفعت الحركة «شماعة الفشل» مبكراً، بإعلان اعتراضها على الجدول الزمنى للانتخابات الرئاسية الجديدة، بادعاء أن فترة تحرير وجمع التوكيلات غير كافية، وهى فترة تستمر ٢٠ يوماً لجمع ٢٥ ألف توكيل فقط بطول مصر وعرضها!
هل الحركة التى تقدم نفسها بديلاً للحكم وتضم ١٢ حزباً لا تستطيع جمع ٢٥ ألف توكيل فى ٢٠ يوماً؟!.. وهل هناك مرشح رئاسى لا يستطيع جمع هذا الرقم من التوكيلات لكنه يستطيع حكم بلد بحجم مصر؟!.. وأليست هذه المدة هى نفسها المدد التى نُص عليها فى استحقاقات سابقة مثل ٢٠١٤ و٢٠١٨؟!.. وهل فوجئت الحركة وأحزابها ومرشحوها المحتملون بالانتخابات الرئاسية نهاية هذا العام، وهو أمر معلوم به منذ تعديلات ٢٠١٩؟!
هل هذه معارضة ناضجة؟
هل هذه معارضة مسئولة؟
هل هذه معارضة واقعية؟
أم هى الخفة المستمرة.. الخفة التى لم تعد مصر قادرة على تحملها؟!