أنا صحفي إلكتروني.. أريد حلاً
لم يسألوا أنفسهم يوماً هل نظر إليهم من كتبوا على ورق البردي نفس النظرة الدونية، وهل نظر من نقشوا على الحجر لمن جاءوا بعدهم باحتقار؟!.
حملة #أنا_صحفي_إلكتروني التي دشنتها نقابة الصحفيين الإلكترونيين وتبناها منتدى قهوة الصحفيين –أكبر تجمع صحفي وإعلامي تفاعلي على "فيس بوك"- كشفت أن العديد من الزملاء لم يتابعوا النضال من أجل انتزاع حق الاعتراف المهني بالصحفيين الإلكترونيين ولا توجد لديهم معلومات في هذا الشأن.
بداية من إنشاء وحدة الصحافة الإلكترونية داخل نقابة الصحفيين عام 2004 بقرار من مجلس نقيب الصحفيين آنذاك الأستاذ جلال عارف، والتي تم إلغائها بعدها بفترة قصيرة دون وجود أسباب واضحة، مرورا بإطلاق نقابة الصحفيين الإلكترونيين في 26 مارس 2011 دون أن يكون هناك نص دستوري أو قانوني يسمح بذلك، ولكنه يظهر النية الصادقة في انتزاع حق التنظيم المهني للصحفيين الإلكترونيين بعد سنوات من التجاهل.
وعقب إطلاق قانون الحريات النقابية على يد وزير القوى العاملة وقتها الوزير أحمد البرعي تأسست نقابة الصحفيين الإلكترونيين "عمالية مستقلة" وفقاً للقانون، وهي مفارقة تظهر الحالة العجيبة للتنظيم النقابي في مصر، أن يلجأ أصحاب "مهنة" إلى تأسيس نقابة "عمالية" ولكن لا تتعجب فالمرشدين السياحيين والطيارين المدنيين أسسوا نقابات "عمالية" أيضا.
ونظراً لجدية القائمين على قضية انتزاع حق الاعتراف المهني بالصحفيين الإلكترونيين أطلقوا حواراً مجتمعياً حول قانون إنشاء نقابة مهنية للصحفيين الإلكترونيين شارك فيه شباب المهنة بجانب أكاديميين وقانونيين وحقوقيين وشيوخ للمهنة، وكان الخيار الثاني المطروح هو تعديل القانون رقم 76 لسنة 1970 لنقابة الصحفيين للسماح بعضوية المحررين الإلكترونيين للنقابة، ومع تعاقب المجالس لم يتحرك هذا الخيار قيد أنملة.
وفي العام 2013 ومع تشكيل لجنة الخمسين لتعديل الدستور طرحت نقابة الصحفيين الإلكترونيين على اللجنة اقتراحاً بإضافة الصحافة الإلكترونية للدستور، وبالفعل أقرت اللجنة إضافة الصحافة الإلكترونية في المادة 70 للدستور وفرقت بين ثلاثة مهن هي الصحافة والإعلام "المرئي والمسموع" والصحافة الإلكترونية، وأنشأت ثلاثة وسائط هي "الصحف الورقية" و"الترددات" و"الصحف الرقمية"، لتصبح مهنة الصحافة الإلكترونية دستورية لأول مرة، وفرق المشرع بوضوح بين ترخيص الصحف الورقية بالإخطار، وترخيص وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والصحف الإلكترونية وفقا لــ "القانون".
والمشرع "الدستوري" كان يمكن أن يبقي على الصحافة فقط دون أن يأتي على ذكر الصحافة الإلكترونية هذا إن كان يراهما مهنة واحدة، وأبرز من فسروا تلك المواد الدستورية هو النقابي المخضرم وصاحب التاريخ الكبير في التشريعات والقوانين الصحفية الأستاذ رجائي الميرغني، وليس هناك أقدر من الأستاذ ضياء رشوان عضو لجنة الخمسين ونقيب الصحفيين السابق على تفسير تلك المادة وهو ما يفسر دعمه الكامل وتأييده المستمر لإنشاء نقابة الصحفيين الإلكترونيين، كما أن الأستاذ خالد البلشي عضو المجلس السابق ومقرر لجنة التشريعات ووكيل المجلس الحالي يرى سنداً دستوريا لإنشاء نقابة الصحفيين الإلكترونيين حال تعذر تعديل قانون النقابة.
وانضم نقيب الصحفيين الإلكترونيين صلاح عبد الصبور لعضوية اللجنة الوطنية للتشريعات الصحفية والإعلامية كممثل للصحفيين الإلكترونيين في اللجنة التي شكلتها نقابة الصحفيين والمجلس الأعلى للصحافة لترجمة مواد الدستور إلى قوانين.
ووصلنا حاليا إلى مفترق طرق بعد تقديم قانون النقابة المهنية للصحفيين الإلكترونيين إلى لجنة الإصلاح التشريعي انتظاراً لإقراره أو الانتظار لخوض معركة الإقرار في البرلمان القادم، مع بقاء خيار تعديل قانون نقابة الصحفيين قائماً رغم صعوبته الشديدة، ولكنه على الأقل يطرح الآن بشكل أكبر من أي وقت مضى.
ولم يكن التواصل مع مجالس نقابة الصحفيين غائباً من أول لحظة رغم الانقسام الواضح في الرأي فهناك جبهة هي الأكبر مع الوحدة النقابية وانضمام الصحفيين الإلكترونيين للنقابة بعد تعديل القانون الذي لم يتم تعديله منذ عام 1970، وجبهة أخرى مع تأسيس نقابة للصحفيين الإلكترونيين على أن يتم إنشاء اتحاد للنقابات الصحفية والإعلامية لضمان عدم تفتيت المهنة، ولكن الرأي الأول والأخير هو للجمعية العمومية لنقابة الصحفيين صاحبة القول الفصل في المسألة ولكن الأمر مطروح منذ 2004 ولم يعد يحتمل التأجيل، لذا فالمطلوب هو حسم الأمر وطرحه على الجمعية العمومية لاتخاذ موقف بالقبول أو الرفض في ظل هواجس أعضاء الجمعية العمومية من القرار بسبب نظرتهم للصحافة الإلكترونية وتوجسهم من عدد الصحفيين الإلكترونيين ومهنيتهم وعدم وجود صورة واضحة لديهم بشأن القضية برمتها.
كما أن وجود نقابات للإعلام الإلكتروني والعاملين بوسائل الإعلام ذات المظلة "العمالية" الواسعة جداً والتي تضم في عضويتها الصحفيين الإلكترونيين وغير الصحفيين الإلكترونيين تثير مخاوف أكبر بسبب حالة الخلط بين محاولات الصحفيين الإلكترونيين تنظيم أنفسهم وبين محاولة البعض استغلال حالة عدم التنظيم في أغراض تسيء للمهنة.
وهو ما أثار أزمة بسبب بيان "الكيانات الموازية" الصادر عن مجلس نقابة الصحفيين والتي أوضح نقيب الصحفيين الأستاذ يحيى قلاش وبعض أعضاء المجلس أنها موجهة لكيانات بعينها.
وحتى لا تتشعب القضية الضخمة جداً أود أن أركز على عدة نقاط:
1- الحملة ملك لكل الصحفيين الإلكترونيين بغض النظر عمن أطلقها أو تبناها فهي تبحث عن حق الاعتراف المهني ولا تسعى لصدام أو خلاف أو تقسيم للمهنة.
2- المادة 70 شرحنا تفسيرها أعلاه وهي التي ترد على من يتذرعون بالمادة 77 التي تقول لا تنشأ لتنظيم المهنة سوى نقابة واحدة بعدما فصلنا المهن وهي "الصحافة" و"الإعلام المرئي والمسموع" و"الصحافة الإلكترونية" ولو اعتبرها المشرع مهنة واحدة لم يكن ليذكر الصحافة الإلكترونية، وإذا نظرنا إلى تفريقات المهن في المادة 70 من الدستور فهي سترد على المادة 77 حيث أنه في عام 1949 أنشئت 4 نقابات مهنية كلها مرتبطة بالمهن الطبية وهي: نقابة الأطباء البشريين، ونقابة أطباء الأسنان و نقابة الصيادلة و نقابة الأطباء البيطريين، وأضيفت إليهم نقابة خامسة هي نقابة التمريض 1976م ونقابة سادسة عام 1994 وهي نقابة العلاج الطبيعي وكلها نقابات مهنية طبية وتم إنشاء اتحاد النقابات الطبية عام 1983 ليضم 4 نقابات هي "البشريين – الصيادلة – الأسنان – البيطريين"، وهناك 6 نقابات مرتبطة بالأعمال الفنية "السينمائيين – الممثلين – الموسيقيين – والفنانين التشكيليين – والمهن الفنية التطبيقية – ومصممي الفنون التطبيقية"، وهو ما يوضح أن الوسيط إذا ما اختلف أصبحت المهنة مختلفة.
3- حالة الهجوم العنيف على الحملة والهاشتاج توضح أن القضية "حساسة" والكل يخشى الخوض في تفاصيلها وصولاً إلى حل نهائي رغم سعينا الجاد لحل المشكلة من جذورها.
4- النضال من أجل تنظيم الصحفيين الإلكترونيين بدأ منذ 11 عاماً وليس مع إطلاق الحملة التي طالبنا الزملاء بالمشاركة فيها والتعبير عن مشاكلهم ومطالبهم وأحلامهم المشروعة التي يصادرها البعض.
5- الصحفي الإلكتروني له تعريف إجرائي واضح: "هو الصحفي المحترف الذي يعمل في وسيط صحفي إلكتروني يعتمد في تكوينه ونشره على عناصر إلكترونية تستبدل الأدوات التقليدية بتقانات إلكترونية اتصالية حديثة كالإنترنت والموبايل، وتستبدل مخرجاتها الورقية أو البصرية أو السمعية التماثلية بأخرى رقمية والتي تتيح نشأة وتطوير محتوى ووسائل الاتصال الإعلامي، باستخدام التقنيات الإلكترونية الحديثة الناتجة عن اندماج تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات كنواقل إعلامية غنية بإمكاناتها في الشكل والمضمون، ويشمل الإشارات والمعلومات والصور والأصوات المكونة لمواد إعلامية بأشكالها المختلفة، على أن يكون ممارساً للمهنة بشكل منتظم وأن تمثل الصحافة الإلكترونية مصدر دخله الأساسي".
6- الصحيفة الإلكترونية لها تعريف محدد: هي الوسائط الصحفية الإلكترونية المرخص لها (من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الذي تناقش اللجنة الوطنية للتشريعات الصحفية والإعلامية تشكيله وقانونه).
7- المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام المنصوص عليه في المادة 211 من الدستور يفرق بين الصحافة والصحافة الإلكترونية سواء في التعريف أو الترخيص أو التمثيل في عضوية المجلس.
8- وبعد تلك التعريفات يصبح الحديث عن "الفوضى" أمراً غير مقبول على الإطلاق بل يعتبراً تسويفاً أو مماطلة لن نقبلها مجدداً بعد ضياع كل تلك السنوات دون حل.
9- تساءل بعض الزملاء عن سر إطلاق حملة أنا صحفي إلكتروني عقب لقاء وفد من مجلس نقابة الصحفيين الإلكترونيين بنقيب الصحفيين الأستاذ يحيى قلاش يوم الخميس قبل الماضي وهو ما وجب توضيحه:
• الحملة كانت مقررة بغض النظر عن موعد اللقاء.
• اللقاء تضمن اتفاقا على إرسال تصوراً كاملاً للأستاذ قلاش وهو ما حدث دون رد منه.
• طرح ما دار في اللقاء بكل شفافية ووضوح ولم يتضمن إشارة للحملة لأنه لا يوجد رابط من الأساس.
• يستحيل الربط بين البيان والحملة وأنها بغرض تشكيل ضغط ما على النقيب الجديد ومجلسه لأننا نعلم أن القرار بيد الجمعية العمومية.
ونحن الآن أمام خيارين لا ثالث لهما:
الأول: تعديل القانون رقم 76 لسنة 1970 لضم الصحفيين الإلكترونيين إلى نقابة الصحفيين بعضوية كاملة وفي خلال فترة زمنية محددة وهو بيد الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين دون غيرها.
الثاني: إنشاء نقابة مهنية للصحفيين الإلكترونيين استناداً لمواد الدستور ومن خلال القانون الموجود حاليا بلجنة الإصلاح التشريعي والذي ينتظر البرلمان القادم وهو الخيار الذي نملكه بيدنا.