فى الشىء العجيب المُسمَى الدستور، لدينا 236 مادة، بعضها فُصِّلت بعناية لكل الأغراض والأحلام وتناسب كل المقاسات، البعض منها فُصِّل بدافع الانتقام من أشخاص بعينهم مثل المادة «176» التى تقلل عدد أعضاء المحكمة الدستورية العليا إلى الرقم الذى يزيح المستشارة تهانى الجبالى، ويبدو أنها أقوى شخصية فى مصر وتحتاج إلى تفصيل دستور للإطاحة بها، حتى لو تمت الإطاحة بمستشارين آخرين، قدّموا خدمات جليلة للنظام الحالى.
ورغم تعدُّد المرجعيات والفلسفات فى الدساتير المعاصرة، إلا أن دستورنا الجديد حدد مرجعية جديدة، وهى «نقوط الأفراح» أو «اللى يحبنا يضرب نار» لرد التحية، لكل من قام بواجب تجاه الحزب الحاكم والغالب فى اللجنة التأسيسية، فمن اقتراح تغيير المادة الثانية لتصبح مصادر التشريع «أحكام» بدلا من «مبادئ» الشريعة، وقامت الدنيا ولم تقعد، وتم مجاملته بمادة أخرى مفسِّرة، وهى المادة «219» التى بموجبها يخضع المصريون لكل من ادعى المشيخة على مر العصور، حتى لو كان تاجراً بالدين والسياسة معاً.
ولأن أحلام السادة فى اللجنة التأسيسية أوامر، فقد تم وضع المواد من «219» إلى «221» لتحدد إمكانية تغيير العاصمة والعَلم والنشيد، لتفتح الباب أمام أوهام الخلافة الكبرى، ومن الطبيعى أن تتغير العاصمة بعد القضاء على مصر، طبقا لما قاله المرشد العام السابق للإخوان المسلمين «ظظ فى مصر».
أحلام أخرى تعامل معها المصريون على أنها نكات أو ضرب جنون، مثل عمل جماعات «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» فجاءت المادة «10» التى تؤكد حرص الدولة والمجتمع على الطابع الأصيل للأسرة، وعلى المجتمع أن يقرر كيفية ذلك من خلال «جماعات الحفاظ على الطابع الأصيل للأسرة».
واستجابة إلى تنبيه بعض أعضاء البرلمان المنحل إلى أن تعليم اللغات الأجنبية حرام شرعاً، فقد جاءت المادة «12» التى تنص على تعريب العلوم، أى أن الطلبة فى المدارس والجامعات الخاضعة لوزارة التربية والتعليم سوف يدرسون كل شىء باللغة العربية، حتى الطب والهندسة والتكنولوجيا وغيرها، وبهذه المادة يقع أولادنا رهينة مزاج مَن يقرر التعريب وأى العلوم يُعربها، كما سوف يتم عزل المصريين عن العالم والإنترنت بلغاته التى تجعهلم يقرأون ما يؤرق السادة الحكام مثل المقالات الإنجليزية التى تصف الرئيس مرسى «بديكتاتور على النيل»، أو التى تقول إنه «رجل أمريكا فى المنطقة» أو التقارير الاقتصادية التى تكشف تفاصيل التفاوض مع صندوق النقد الدولى.
لكن الأخطر هو تجهيل المجتمع بأكمله إلا من رحم ربى أو لديه من السعة ليُرسل أولاده إلى المدارس والجامعات الأجنبية، وهى فئة لن تتعدى نصف فى المائة ليكونوا السادة الحكام، يتداولون السلطة فيما بينهم، والباقى من العبيد يضع صوته فى الصندوق ويموت على يد أطباء درسوا الطب بالعربى، وأقرب كتاب وصل إلى أيديهم بعد الترجمة يكون تجاوزه العلم، وأصبح مثل العلاج ببول الإبل، أو يدفنون تحت بنايات بناها مهندسون درسوا الهندسة من كتب ابن حزم، أما السادة الحكام فلهم أطباؤهم ومهندسوهم، ليظل العبيد عبيداً للأبد والأسياد أسياداً للأبد، وذلك تنفيذاً لما يسمى «دستور الثورة» الممهور بتوقيع ما يوصف «قاضى من قضاة الاستقلال»، لكن المفاجأة أن المصريين تحرروا من كل السادة، وهذا المسمى بالدستور لن يمر، بشرط أن يتم الاستفتاء دون تزوير، وستكون النتيجة «لا للعبودية».