"مادورو".. رئيس دولة برتبة سائق شاحنة
الرغبة الأخيرة للرئيس هوجو تشافيز أن ينتخب الشعب الفنزويلي الوريث السياسي "نيكولاس مادورو" رئيسا باتت حقيقة ولو بفارق بسيط لا يسمح للمعارضة بالتشكيك في نزاهة العملية الانتخابية.
مادورو سائق الشاحنة بالرصيد الثقافي للهنود الحمر الذين يخشون اللعنات التي كان يحذرهم منها مادورو أكثر من أي شيء آخر كونه حاملا بشارة الخلاص للفقراء والمظلومين، شأن تشافيز الرمز الوطني الذي غير وجه فنزويلا وتصدى لقضايا العدالة الاجتماعية وجاء بمادورو من محطة المترو إلى قصور الحكم كونه من مؤسسي حركة الجمهورية الخامسة وواحد من أبرز من دافعوا عنه وأسهم بشكل كبير في الإفراج عنه بعد محاولته الانقلابية الفاشلة أوائل التسعينيات من القرن الماضي.
قد لا يملك كاريزما قيادات اليساريين وقدرتهم على التأثير على الجماهير وإبهارها، لكن حظه من التاريخ النضالي من خلال الحركات النقابية العمالية وقت أن كان محظورا لا ينكره عليه أحد، وهو ما جاء به صاعدا في دنيا السياسة عضوا بحجرة النواب ثم الجمعية الدستورية فالجمعية الوطنية فرئيسا لها في غضون عشر سنوات ليبقى به خمس سنوات صار بعدها وزيرا للخارجية ثم إلى المقعد الوثير نائبا للزعيم الرئيس ومخولا بسلطاته بعد أن عاود السرطان مداهمته ثم ما لبث أن سماه خليفة له وحث الشعب على انتخابه ليستكمل خطه ومنهجه السياسي.
لم يفت الفرصة جاعلا من صورة شافيز تميمته وشعاره مداعبا مشاعر الفقراء في بلاده، والذين طالما كانوا الهدف في سياسات اشتراكية انتهجها النظام ودافع هو عنها طويلا وصار مستحقا لأصواتهم بجدارة بنفس القدر الذي أصبح فيه ملزما بتبني المزيد من السياسات المنحازة لهم في مواجهة معارضة تزعم دائما أن الشعب غير راضٍ عن مجمل تلك السياسات وتدعى كبت الحريات وتزوير الانتخابات "ديمقراطية منقوصة".
لكن أخطر ما يواجهه مادورو العداء المستحكم بين بلاده والولايات المتحدة التي لا تعتبر أمريكا اللاتينية حديقتها الخلفية، انتظرت طويلا ليخلصها الموت من تشافيز ليقفز مادورو إلى الواجهة بتشدده المعروف والذي كان أكثرعنفا من رئيسه في مواجهة أمريكا التي أيقنت أنه يتبنى نفس الأفكار والمواقف وعليها أن تعد عدتها لمعارك جديدة قد لا تتحلى بأي قدر من دبلوماسية تشافيز على قلتها.
بلاد العجائب السياسية أمريكا اللاتينية التي يمكن أن يحدث فيها ما لا يحدث في أي من بلاد العالم، ها هي تأتي بسائق شاحنة رئيسا لإحدى دولها المركزية.