فى الأسبوع الثانى من شهر يونيو 2012 كتبت مقالاً بعنوان: «البابا ابن ظروفه»، بمناسبة اعتلاء البابا تواضروس الثانى كرسى «مرقص الرسول»، لمحت فيه إلى ما أعلنه البابا من أنه «يحرص على دعم الدور الروحى للكنيسة» وما يحمله هذا القول من رغبة فى الابتعاد بالكنيسة عن السياسة، وقد علقت على ذلك وقتها بالقول: «البابا تواضروس سيجد نفسه مضطراً إلى التعامل مع حقائق المرحلة الجديدة التى نعيشها، ومهما حاول الابتعاد بالكنيسة عن الشأن السياسى فإن الظرف لن يسمح له بحال، بل من المتوقع أن يزداد تورط الكنيسة فى هذا المجال، على ما كان فى عهد البابا شنودة.. وربنا يستر على مسلمى مصر ومسيحييها من إخوانها وسلفييها»!
ها هو البابا يتحدث رسمياً فى السياسة بعد أن تراكمت العديد من الأحداث والمواقف التى تجعل الحليم حيراناً، فقال: «الكنيسة تحاول عدم الانزلاق فى العمل السياسى؛ لأن دورها روحى، لكن مبدأ المواطنة يفرض على الكنيسة تشجيع أبنائها على المشاركة فى الحياة السياسية». وأضاف أن «الولايات المتحدة الأمريكية وجهت اللوم للحكومة المصرية تجاه أحداث الكاتدرائية»، مشيراً إلى أن «دعمها للرئيس محمد مرسى يثير علامات استفهام كثيرة».
كل ذلك يحدث وساكن «الاتحادية» لا يأبه إلى القلق الذى يسيطر على الأقباط، منذ أن شاهدوا طوابير «الدقون» داخل مجلس الشعب «المنحل»، ثم داخل مجلس الشورى، ليكتمل المشهد بعد ذلك بـ«دقن» الدكتور «مرسى» ورئيس وزرائه «هشام قنديل». والرئيس لا يكترث بطمأنة الأقباط بأية صورة من الصور، ولا يلتفت لخطورة الأرقام التى تشير إلى تزايد عدد الأقباط المهاجرين إلى الخارج، هرباً من حالة اللخبطة التى تعيشها مصر حالياً فى ظل حكم الإخوان، ويترك الإسلاميين من كل حدب وصوب يكيلون الاتهامات للأقباط، مرة بالقول بأنهم وراء المظاهرات التى يشهدها محيط الاتحادية، ومرة باتهامهم بأنهم يدعمون شباب «البلاك بلوك»، ويبدو أن الدكتور «مرسى» لا يدرك أن هذه الاتهامات تحمل تحريضاً مباشراً على الأقباط، يظهر صداه فى الأحداث الطائفية التى تشهدها البلاد، والتى تدفع البابا إلى الخروج من صومعته الروحية ليتحدث فى السياسة. إنه مضطر إلى ذلك اضطراراً.
وهناك مشكلة أخرى تتعلق بالأقباط، حين يظنون أن الإخوان والسلفيين «مستقصدينهم» فقط من دون المصريين، ويحاولون النيل منهم دون المسلمين المصريين.. وواقع الحال أن الجميع فى الهم سواء؛ فالمواطنة التى يتحدث عنها إخواننا الأقباط، بما تقتضيه من حقوق، تغيب عن المصريين جميعاً، بغض النظر عن معتقدهم؛ فالأخونة أو السلفنة هى التى تمنح هذه الحقوق، تماماً مثلما كان الوضع أيام الحزب الوطنى؛ حيث كانت حقوق المواطنة مقصورة على المنتمين للحزب وفقط، أما غيرهم من المسلمين والمسيحيين فكانوا يعاملون كمواطنين درجة «تانية وتالتة». ما زالت الكلمة العليا لـ«ثقافة الجلد»، الجلاد فقط هو الذى تغير!