خبيران: «تغيُّر المناخ» تهديد خطير للأمن القومى.. ويتسبب فى بوار الأراضى بـ«الدلتا والصعيد»
ذوبان الجليد فى العالم أحد أخطار ارتفاع حرارة الأرض
أجمع خبراء على أن «مصر واحدة من أكثر دول العالم تأثراً بالتغيرات المناخية العنيفة التى تهدد شمال الدلتا»، وذلك نظراً لتعرضها لتغلغل مياه البحر لأراضيها الخصيبة، فتصيبها بالبوار، مشيرين إلى أن «صعيد مصر» بات يعانى أكثر من أى وقت مضى من مناخ جامح متقلب أضرّ بالزراعات الموسمية وبات على الجميع -مسئولين ومواطنين- أن ينتبهوا لخطورة هذه الظاهرة التى يراها العلماء تهديداً خطيراً للأمن القومى لكن أحداً لا يهتم.
وقال الدكتور صلاح سليمان، أستاذ كيمياء المبيدات والسموم بجامعة الإسكندرية، إن «دلتا نهر النيل من أكبر مناطق العالم تأثراً بالتغيرات المناخية، تليها دلتا نهرَى بنجلاديش وفيتنام»، موضحاً أن الوضع فى مصر يزداد سوءاً، مضيفاً أن التدهور المناخى بدأ مبكراً.
وأضاف «سليمان»، فى تصريحات لـ«الوطن»: «الفلاحون منذ أكثر من 100 عام لاحظوا تغيُّرات لم يتفهموا أسبابها فى البداية، لكنهم تأثروا بنتائجها، فقد اعتادوا فى بعض مناطق شمال الدلتا على ما يُعرف بـ(الزراعة المركبة)، أى زراعة أكثر من محصول فى وقت واحد كالنخيل وبعض أنواع الموالح، لكنهم بدأوا يلاحظون مع بداية القرن الماضى أن الأرض (تملح)، ما يحول دون زراعتها، فهداهم تفكيرهم إلى تغطيتها برمال جاءوا بها من الكثبان الرملية التى كانت موجودة على طول الساحل من (سيدى بشر) وحتى (جمصة)، وأفلحت فكرتهم وبدأت الأجيال المتتالية تستفيد من طبقة الرمل لحمايتهم من الأثر الضار للملوحة، وكانوا يكررون هذه العملية كل عدة سنوات، والآن نعرف سبب ما حدث وهو ارتفاع مستوى سطح البحر بسبب ارتفاع متوسطات درجات الحرارة، ما يؤدى إلى تغلغل المياه المالحة للتربة الزراعية، وتتبخر المياه بفعل أشعة الشمس وتبقى الأملاح».
«سليمان»: الوضع فى مصر يزداد سوءاً.. والآثار السلبية ظهرت مبكراً.. و«خليفة»: غرق مساحات من الدلتا بمياه البحر أحد أهم الآثار المحتملة
وأشار أستاذ كيمياء المبيدات والسموم إلى أن «الوضع تغير الآن بسبب اختفاء الكثبان الرملية وارتفاع أسعار الرمل، فلم يعد الفلاحون قادرين على فرش الأرض بالرمال»، منوهاً بأن الإسكندرية كلها تأثرت سلباً بارتفاع سطح البحر، ومظاهر ذلك واضحة على مبانيها وعلى بحيرة مريوط التى تنخفض عن سطح البحر من 1 إلى 1.5 متر، لافتاً إلى أن كفر الشيخ هى أكثر مناطق مصر تأثراً بارتفاع منسوب سطح البحر، ولهذا فشل مشروع الرئيس الأسبق حسنى مبارك الخاص بالاستصلاح الزراعى، موضحاً أن هذا المشروع بدأ منذ 20 عاماً، وكان هدفه إقامة مجتمعات جديدة قوامها شباب الخريجين والفلاحين الفقراء الذين فقدوا موارد أرزاقهم بعد أن سلبهم قانون الإصلاح الزراعى أرضهم، حيث حصل الخريج على 5 فدادين، واستفاد منه نحو 3 آلاف مواطن، فى 3 قرى بمنطقة مطوبس، وهى «سيدى إبراهيم الدسوقى، سيدى طلحة، السيد البدوى» فى المنطقة الواقعة بين بحيرة البرلس والبحر على مساحة عرضها 15 كيلومتراً وطولها 60 كيلومتراً، ونظرياً تبدو الأرض مثالية للاستصلاح لأنها مستوية وليّنة يمكن بسهولة شقّ الترع فيها وتقسيمها بتكلفة بسيطة، لكن الحكومة لم تدرك نقطة بسيطة أن الأرض غير قابلة للزراعة.
وأوضح أنه جرّاء هذ السبب تعفّنت البذور فى الأرض لتسرُّب مياه البحر إلى الأرض، ما حال دون زراعتها نهائياً، وتشققت جدران المنازل الجديدة، بل طفحت المياه من الحمامات، ما دفع البعض لإغلاقها بالأسمنت (بيوت بلا حمامات)، وانسحب عدد كبير من الشباب فيما حاول بعض الفلاحين مواجهة المياه المالحة بوضع طبقة من الرمال بارتفاع متر، وهى مسألة مكلفة، خصوصاً مع الحاجة لتكرارها كل 3 أو 4 سنوات.
وأكد الدكتور سيد خليفة، نقيب الزراعيين، ورئيس قطاع الإرشاد الزراعى بوزارة الزراعة، أن «منطقة الشرق الأوسط وقارة أفريقيا أكثر مناطق العالم عرضة لأخطار التغير المناخى»، مشيراً إلى أن تلك البلدان ضحايا لممارسات الدول الصناعية الكبرى المسئولة بشكل رئيسى عن الاحتباس الحرارى وارتفاع درجات حرارة الأرض.
وأوضح «خليفة»، فى تصريحات لـ«الوطن»، أن «هناك سيناريوهات عديدة للآثار المحتملة على مصر، منها سيناريو يتوقع غرق مساحات من الدلتا بمياه البحر نتيجة ارتفاعها عن مستوياتها الحالية، ما يؤدى إلى هجرات داخلية وخارجية أيضاً، الأمر الذى يضع دول الغرب فى قلب الأزمة ويُلزمها بالمساهمة فى التخفيف من حدة هذه الآثار والنتائج المترتبة عليها».
وأشار نقيب الزراعيين إلى «أن آثار التغير المناخى واضحة فى الصعيد، وأكبر مظاهرها ارتفاع درجات الحرارة والتقلبات المناخية العنيفة، الأمر الذى ينعكس سلباً على المحاصيل الزراعية، ويزيد الأثر السلبى على القرى الأكثر احتياجاً أو فقراً لأن فلاحاً يملك قيراطين أو ثلاثة قراريط يصعب عليه تحمُّل تلف المحاصل بسبب ارتفاع أو انخفاض مفاجئ فى درجات الحرارة، ما دفع وزارة الزراعة لاتخاذ تدابير وإجراءات وقائية، منها تطوير سلالات مقاومة لدرجات الحرارة والجفاف كما فعلت مثلاً مع القمح والأرز».