مارى دربيكورت تركت فرنسا لتجمع قمامة النيل: «البلد جميلة.. ليه تعملوا كده؟!»
«مارى» تجمع القمامة من الشوارع
على ضفاف النيل جلست فتاة أوروبية شقراء، ذات جسد نحيل، مرتدية قفازات طبية بيضاء، وبين يديها عصا ومكنسة صغيرة، وأخذت تجمع كل ما تطوله أيديها من قمامة ملقاة فى مياه النهر، لم تكن تلك هى المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، بالنسبة لـ«مارى دربيكورت» الفرنسية التى تركت باريس عاصمة الجمال، وجاءت لتعيش فى الأقصر، بعدما ذابت عشقاً فى آثارها ونيلها، حيث أخذت الفتاة على عاتقها تنظيف مياه النهر فى حملات تطلقها بشكل شهرى، بعدما أرقها القبح الذى يطفو عليها من قمامة.
كانت الطفلة «مارى» ذات السنوات الست، قد بدأت تدرك لأول مرة ما هى مصر وآثارها، حين أخذت تعبث فى مدونة والدتها، ووجدت بداخلها الكثير من القصاصات والصور التى تحكى عن القاهرة والأقصر، جمعتها والدتها من زياراتها، ومنذ ذلك الحين والحلم يراودها دائماً بأن تشاهد تلك الآثار رؤى العين، وأن تلامس بشرتها هواء تلك البقعة من الأرض الضاربة بجذورها فى التاريخ.
«مارى» التى أصرت على التحدث لـ«الوطن» باللغة العربية التى تتقنها وتعلمتها من معاشرة أهل مدينة الأقصر، حكت أنها حين أتمت عامها الواحد والعشرين وأصبح لها حرية السفر، قطعت تذكرة نحو القاهرة، ولكن الطائرة التى أقلعت من عاصمة الجمال هبطت فى الأقصر. لا تعرف «مارى» حتى الآن لماذا لم تذهب الطائرة كما كان محدداً لها، ولكن الحقيقة التى تجلت أمامها أنها قد حققت الحلم وأصبحت فى شوارع مدينة الأقصر الخالدة: «حاجة تحركت بداخلى حينما شاهدت الشمس تختبئ فى حضن الجبل لحظة الغروب، فى أول ساعة أقضيها فى المكان، وشعرت أن بلدى هى مصر وليست فرنسا»، وتولد إحساس بداخلها أن مكانها وبيتها هنا.
ذات القفازات البيضاء بدأت بتنظيف النهر بنفسها وانضم لها متطوعون.. وأخيراً المحافظة شاركت
داومت على زيارة مصر كل عام، حتى أصبحت عادة سنوية، حتى قررت قبل أربعة أعوام ونصف أن تترك فرنسا وتستقر فى مدينة الأقصر «للأبد»، حينها واجهت رفضاً من عائلتها التى عارضت الأمر فى البداية، ولكن أمام إصرارها لم يجدوا مفراً من الموافقة: «بيقولولى فيه خطر فى البلد.. انتى مجنونة هتموتى»، ورغم ذلك تجد الأقصر أكثر أماناً من فرنسا: «بعد سبعة بالليل فى فرنسا المحلات تغلق أبوابها، وممكن تتعرض للسرقة فى أى وقت، ولكن الأقصر زحمة والبلد بتصحى حتى الصبح».
تعشق «مارى» الأقصر وآثارها، وتحفظ تاريخها عن ظهر قلب، ولكن ما كان يؤرقها هو مشهد القمامة التى تغطى مياه النهر، ظلت تدعو أهل المدينة للإقلاع عن إلقاء القمامة فى النيل: «البلد جميلة.. ليه كده»، ولكن لم تجد مفراً من القيام بنفسها بتنظيف النهر بيديها.
وخلال مؤتمر عُقد فى الأقصر عن مخاطر القمامة، عرضت مبادرتها، لينضم لها عدد كبير من المتطوعين من الجمعيات الخيرية، ومنذ عام التقت المحافظ وطالبت بمشاركة المحافظة فى المبادرة، ورعايتها، بمشاركة «شئون البيئة» و«حماية النيل».
تعود «مارى» لزيارة أسرتها فى فرنسا، وتحكى لهم عن الأقصر، واصفة إياها بأنها «الجنة فى الدنيا»، محاولة إزاحة الأوهام التى تسكن رؤوسهم عن مصر التى يحسبونها تضج بالعمليات الإرهابية، قائلة لهم: «المكان آمن أكثر من فرنسا نفسها».